في ذكرى الإسراء والمعراج، وكأني أراه صل الله عليه وسلم في ضحى اليوم التالي لرحلة الأقصى ومعراج السماء، جالسًا فى المسجد الحرام صامتا مفكرًا، فيما يجتاح أهل مكة جميعًا حديث أثار فى أنفسهم دهشة وعجب.
وأري
أبا جهل ذاهبًا لبعض شأنه حين مر بالكعبة فأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فرغب في أذية الرسول عليه الصلاة والسلام ببعض سخرياته التافهة، فاقترب منه وسأله:
- أو
لم يأتك الليلة جديد؟
فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه مجيبًا
فى جد:
*نعم .. أسرى بي الليلة إلى بيت المقدس بالشام
.
فقال أبو جهل مستنكرا:
- وأصبحت
بين ظهرينا؟؟
قال عليه الصلاة والسلام:
*نعم...
هنا صاح أبو جهل مناديًا فى غيظ وجنون:
- يابني كعب بن لؤي هلموا...
أقبلت قريش ينادى بعضها بعضًا.. ولم يكن الرسول
قد حدث أحدًا من المؤمنين بنبأ الإسراء والمعراج بعد...تجمع الناس عند الكعبة، ومضى
أبو جهل يحدثهم فى حبور بما سمع.. ظنًا منه أنها الفرصة المواتية التى عندها سينفض
عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كل من آمن به.
تقدم أحد المسلمين وسأل الرسول عليه الصلاة والسلام:
"أحقا أُسرى بك الليلة يارسول الله؟
فأجاب الرسول صلى الله عليه وسلم:
* بلى، وصليت بإخواني الأنبياء هناك.
وسري في الجمع المحتشد خليط متنافر من المشاعر
المهتاجة، ورحب المشركون بما سمعوا، ظانين أن في هذا النبأ نهاية دعوة الرسول .عليه
الصلاة والسلام
وسعى بعض رجالات قريش إلى بيت أبى بكر فرحين
شامتين. لا يخالجهم ريب فى أنهم سيعودون ومعهم ردته عن الدين...!
وهنا شهر الصديق فى وجه الجميع عبارته المصدقة
الصامدة :
" إن كان قال فقد صدق"..!
بلغوا دار أبي بكر وصاحوا به
- يا عتيق. ( اسمه قبل الاسلام الذى تبدل فى ذلك اليوم)...كل أمر صاحبك قبل اليوم هينًا محتملًا،
أما الآن فاخرج لتسمع...
انتفض ابو بكر وقال:
* ويحكم .. هل أصابه سوء..؟!
ـ قالوا ساخرين: إنه هناك عند الكعبة يحدث الناس
أن ربه أسرى به الليلة إلى بيت المقدس.
وأكمل آخر الحديث ساخرًا مقهقهًا:
- ذهب ليلًا وعاد ليلًا وأصبح بين أظهرنا...
وهنا أرى سيدى ابو بكر وقد تهلل وجهه وابتسم
ابتسامة رضا وحبور قال:
*" أي بأس ؟ إني لأصدقه فيما هو أبعد
من ذلك"
" أصدقه في خبر السماء
يأتيه في غدوه أو رواحه"
ثم أطلق عبارته الصامدة:
"إن كان قال فقد صدق"
أتوقف عند هذه اللمحة من حياة الصديق وهذا الإيمان
منطق القلب وحده .. بل ومنطق العقل قبله لآقول أنظروا إلي قوله:
" إنى لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ...أصدقه
في خبر السماء يأتيه غدوه او رواحه" .
ليست المشكلة إذن كيف ذهب الرسول إلى بيت المقدس
وعاد في ليله ولكن المسألة هى:
(هل قال محمد ذلك؟)
يرحم الله أبا بكر الصديق رضى الله عنه وأرضاه.
0 comments:
إرسال تعليق