تمكنت طلقاتٌ ناريةٌ رخيصة الثمن وفيرة العدد، قصيرة المدى بسيطة الأثر، محلية الصنع سهلة الإنتاج، تملكها قوى المقاومة بكثرة وتستخدمها بسهولةٍ، من إبطال فاعلية القبة الفولاذية الإسرائيلية، وتعطيل مقلاع داوود، وتنفيس بساط الريح، فخر مضادات جيش العدو التي يتباهى بها ويتفاخر، ويطمئن بها مستوطنيه ويمنيهم بالسلامة والأمن، وبالنوم الهانئ والأحلام السعيدة، ويعدهم بصد الهجمات عنهم، ومنع الصواريخ من الوصول إليهم، وتروج لها مصانعهم العسكرية لتسويقها لدى دول العالم وبيعها لهم، على افتراض أنها الأسرع والأفضل، والأكفأ والأقوى، فأسرعت إلى شرائها، وتنافست على اقتنائها، تماماً مثل الجيل الأخير من دبابة الميركافا الإسرائيلية الصنع، التي فتنت العالم ثم أحبطوا بها.
إلا أن طلقات المقاومة الفلسطينية المضادة للطيران، تمكنت من الاستهزاء بهذه المنظومة والتهكم بها، ونجحت في تحييدها وسلب قوتها، ونزعت عنها رداء الغرور وثياب الغطرسة، وحرمتها من التفوق وجردتها من التميز، وجعلت منها أضحوكة محلية ونكتة دولية، حيث نزعت ثقة المستوطنين بها، وتركتهم وحدهم في مواجهة قدرهم، في العراء بلا حماية وتحت السماء بلا غطاء، وكشفت ضعفها أمام الطامعين فيها والمتطلعين لامتلاكها، وأظهرت عيوبها وأبانت قصورها، وفسخت عقود شرائها ونقضت اتفاقيات استخدامها، إذ تخلت عنها الدول وعافتها الجيوش، ولجأوا إلى غير الكيان الصهيوني لشراء بديل عنها أفضل منها، تماماً مثل دبابة الميركافا التي كسد سوقها وفقدت صيتها وخسرت سمعتها.
تحاول شركات السلاح وكبريات مصانعه في الكيان الصهيوني إخفاء العيوب التي أظهرتها المقاومة الفلسطينية في قبتها الفولاذية، وشرعت تعمل على مدى سنتين كاملتين للتخلص من العيوب الظاهرة وحل مشكلة الخلل الاليكتروني الفاضح، وتجاوز العجز الذي عانت منه منظومتهم الواقية، التي تشتغل بسرعة فور إحساس راداراتها بالنار في السماء، وتطلق صواريخها المضادة العالية الكلفة والغالية الثمن، حيث لا تميز أنظمتها الإليكترونية بين الطلقات النارية المضادة للطيران وبين الصواريخ، الأمر الذي يكبد ميزانية جيش الكيان خسائر فادحة، حيث تبلغ قيمة الصاروخ المضاد من 30-50 ألف دولار، وهو من نوع "تامير"، الذي يطلق لمواجهة قذيفة واحدة أو صاروخً واحدٍ، إلا أن التجارب العديدة أثبتت أن منظومات القبة الحديدة تطلق صواريخها لمواجهة طلقات نارية، لا تتجاوز قيمة الطلقة الواحدة المصنعة محلياً دولاراً واحداً فقط.
يقول العسكريون الإسرائيليون والمراقبون لسير المعارك والأحداث، بعد كل جولةٍ عسكريةٍ أو خلالها، أن المقاومة الفلسطينية قد كسرت يدها، وحدت من قدرتها، وحالت دون استخدامها للقوة المفرطة وسلاحها المميت، وأجبرتها على التردد والتفكير ملياً قبل الإقدام على أي مغامرة غير محسوبة النتائج، فقد نجحت قوى المقاومة في تحييد قطاعٍ كبيرٍ من أسلحتها، وأخرجت من الخدمة العسكرية وسائل كثيرة اعتادت دوماً على استخدامها، سواء لعيوبٍ برزت فيها، أو لضعفٍ في بنيتها، وتصدت بكفاءةٍ عاليةٍ لعمليات العدو العسكرية، وأفشلت مغامراته الأمنية، وطورت أسلحتها الصاروخية، وخاضت غمار المسيرات، وبنت قوةً بحريةً يحسب العدو حسابها، ويخاف من قدرات قطاعها وكفاءة رجالها.
المقاومة اليوم على كل الجبهات تستطيع خوض أي معركة اليكترونية، ولديها القدرة على اختراق البنى الإسرائيلية العسكرية والاقتصادية والسياسية، وقد سبق لها أن اخترقت الحواسيب الشخصية والعامة، ونجحت في الوصول إلى هواتف الجنود الجوالة وسحب ذاكرتها، وأرسلت إليهم صوراً وتهديداتٍ، وتنبيهاتٍ وتحذيراتٍ، وكانت من قبل دخلت على محطات التلفزة والإذاعة، ونشرت من خلالها رسائلها وعممت مواقفها، وتعرف كيف تدخل إلى البنوك وبيوت المال، الأمر الذي لم يجعل من هذه الحرب حكراً على الإسرائيليين وحدهم، بل باتت المقاومة تبزهم وتنافسهم وتتفوق عليهم، إذ يعمل معها جيشٌ من المتطوعين العباقرة الأفذاذ من مختلف أنحاء العالم، من نوابغ الكمبيوتر وخبراء الانترنت، ممن يتوقون للمساهمة في المقاومة والاشتراك معها في قتال الإسرائيليين.
إنه القدر الذي يخدم المقاومة دوماً، ويودع أعظم أسراره في أضعف الأشياء وأبسطها، ويبارك في الصغائر في أيدي المظلومين الصابرين، ويحقر العظائم بين يدي الظالمين المستكبرين، ويمكن المقاومين الصادقين من مواجهة أعتى جيش وأضخم ترسانة وأحدث الأسلحة، فها هي قوى المقاومة رغم ضعف إمكانياتها، وقلة قدراتها، وجفاف منابعها، والحصار الظالم المفروض عليها، تتمكن من إخراج دبابة الميركافا من معادلة التفوق، وتضعف القبة الحديدية على اختلاف أنواعها، وتبطل بالغول فاعلية القناصة الخبيثة، وتفرض بتوازن القوى وقوة الردع معادلاتٍ جديدةٍ، تمنع بموجبها جرائم القنص والاغتيال، واستهداف المباني السكنية والمؤسسات المدنية، وتلزم العدو بالتزام الشروط وحفظ العهود، وإلا العودة إلى معادلة النار بالنار، والقنص بالقنص، والقصف بالقصف، والآتي أكبر وما خفي أعظم.
بيروت في 30/11/2019
0 comments:
إرسال تعليق