سؤال مهم، ودائما ما أطرحه على طلابي في الجامعة قبل الدخول في تفاصيل وشرح هذا الموضوع.
فالضرائب التي تحصلها الدولة هي التي تستخدمها للإنفاق على التعليم والصحة والطرق ورعاية الفقراء والإسكان الاجتماعي...طيب والدولة هاتصرف على الحاجات دي منين اذا تهرب كل واحد منا من دفع ما عليه من ضرائب؟!
طبعا الدولة - اذا لم تكفي الضرايب اللي تم تحصيلها - مفيش قدامها غير انها تقترض، وده اللي بنسميه الدين العام، والقروض "هم بالليل ومذلة بالنهار"...ومفيش حد يفرح بتراكم الديون.
نرجع للسؤال، انته بتتهرب ليه؟! مش المفروض ان سيادتك بتستفيد من وجود الأمن والعدالة والجيش وحمايتك وحماية اهل بيتك وبتمشي على الطرق؟!...طالما بتستفيد من الحاجات دي يبقى تتفضل زي الشاطر تدفع اللي عليك للدولة.
ليه بتتهرب؟! طبعا الإجابة على السؤال ده بنشرحها في كتب، وعشرات الصفحات وطلابي عارفين كده، لكن احب ااقولك من الأول كده إنه - بوجه عام - كل دول العالم فيها ناس بتتهرب من الضرايب، لكن للأمانة برضو التهرب يعتبر ظاهرة في الدول المتخلفة، في حين إن قليلين اللي بيتهربوا من الضرايب في الدول المتقدمة زي اليابان وألمانيا...الخ؟! اه نقول اللي لينا واللي علينا.
ليه كده ياسيدي؟! ليه أغلب الناس في الدول المتخلفة -اللي زينا- بيتهربوا من الضرايب؟!
اولا: لان اغلب النشاط الاقتصادي عندنا هو نشاط غير رسمي، يعني بعيد عن رقابة الدولة، يعني نظام بير السلم، يعني بيسرق كهربا وبينتج ويقلد ماركات ويبيع ويكسب ولا الدولة تعرف عنه حاجة....
والنَّاس دول كتير في مصر؟! أه والله، حوالي من ٥٠ الى ٦٠ ٪ من اللي بيكسبوا في مصر بيشتغلوا في النشاط غير الرسمي، يعني لا بيدفعوا ضرائب ولا فيه رقابة عليهم، من عينة البياعين اللي في الشوارع ومصانع بير السلم...الخ.
والنَّاس دول كتير في مصر؟! أه والله، حوالي من ٥٠ الى ٦٠ ٪ من اللي بيكسبوا في مصر بيشتغلوا في النشاط غير الرسمي، يعني لا بيدفعوا ضرائب ولا فيه رقابة عليهم، من عينة البياعين اللي في الشوارع ومصانع بير السلم...الخ.
ثانيا: الشعور بالظلم وعدم العدل، وسيادة الشعور ده، يعني المواطن يحس او يعتقد انه دايما الدولة حاطاه في دماغها وسايبه الأغنية، او ان فيه فساد واهدار مال عام ومسئولين عمالين يصرفوا ببذخ على سيارات وحفلات من مال الشعب، ساعتها المواطن بيفكر الف مرة انه يتهرب من الضرايب، هادفعها لظلمة ولا فاسدين، اللي يعوزه بيتك يحرم ....؟!
ثالثا: عدم شعور المواطن بأي تحسن في الخدمات والمرافق العامة، يعني المواطن في اليابان -مثلا- بيمشي على طرق زي الحرير ويدخل مستشفى مش عايز يخرج منه، او مدرسة تفرح وتشرح القلب، هوه هنا مش هايتردد انه يدفع الضرايب، لانها هاتعود عليه وبالتالي بيدفع ويستفيد، أما في الكوكب الاخر المتخلف، مفيش حاجات من دي..لا لا الطرق والمدارس والمستشفيات...حدث ولا حرج...يبقى ادفع ليه بقى؟!
ربعا: البيروقراطية والفساد الاداري وإثقال كاهل الناس، يعني مامور الضرايب عارف اني مش فاهم حاجة، وهوه كمان مش سالك، فيبدأ يتوهني في إجراءات وقوانين، وفِي الاخر يخرب بيتي او يضطرني اني أتهرب باي طريقة، يعني لو القوانين واضحة والإجراءات بسيطة ومفيش تعقيد ولا تسويد عيشة "هاتهرب ليه"؟!
خامسا: الممول دافع الضرايب برضو بيحس ان مفيش حد بيراعي ظروفه، وخاصة لما تكون الدنيا واقعة والاسعار مولعة، يعني لافيه بيع ولا شرا وفِي نفس الوقت الدنيا نار والمواد الخام نار وفاتح بيوت، وبعد كده يلاقي مامور الضرايب داخل عليه زي الملاك، ومصر انه ياخد حق الدولة؟! طيب راعي ظروفي علشان أواصل؟!
اذا يا حضرات التهرب الضريبي لا نختلف على انه جريمة يرتكبها الممول بحق الدولة، ولكن اذا شئنا حقا علاج هذه الظاهرة المدمرة، فلازم (زي الأطباء) ندخل مباشرة على أسبابها...طيب نعمل أيه؟! شوف يا سيدي:
١. تبسيط الإجراءات، ونعمل اللي بيسموه حكومة اليكترونية، وما نسيبشي اي فرصة للقاء مباشر (لقاء السحاب) بين مقدم الخدمة وبين متلقيها...وبالتالي نوفر الوقت والجهد والإجراءات والمال، وكمان نقفل باب الرشوة والفساد.
٢. نراعي ظروف الممول والظروف الاقتصادية باننا اما نقسط او نعفي جزئيا، علشان باب الرزق يفضل مفتوح، والنَّاس تواصل مع الدولة.
٣. مواصلة جهود توجيه الموارد (وخاصة ايرادات الضرايب) تجاه ما يخدم الناس من تطوير طرق ومستشفيات ومدارس، وساعتها الناس هاتحس ان فلوسها لا تهدر، بل تعود عليهم تاني...وبالتالي يقل التهرب.
٤. دولة القانون، ايوه دولة العدل والقانون لان الشعور بالظلم مدمر وقاتل وسبب للكثير من مصائبنا، زي ما بنشتغل على صاحب الورشة نشتغل على صاحب المصنع والمستورد، بل نراعي اكتر المستثمر الصغير علشان يكبر مش ندفنه ونقطع نفس أمه.
٥. التوعية ثم التوعية، لازم الناس تفهم وتعرف انها لازم برضو تعمل اللي عليها، وكله يشتغل لبناء الدولة، لو كل واحد فضل يفكر في نفسه مش هاتقوم ليها قومه، وبعدين هيه البلد مكونة من مين؟! أنا وحضرتك...فياريت كل واحد يبدأ بنفسه، ويصلح من نفسه، وان شاء الله تطلع لقدام.
٦. القوانين والإجراءات لازم تتوحد وتتبسط علشان المواطن ببساطة يعرف اللي له واللي عليه، مش يدخل في غابة قوانين تتوه بلد؟! المواطن في صفحة من كلمتين محتاج يعرف اللي له واللي عليه.
٧. الدولة ترشد الإنفاق، والكلام ده لازم يحس بيه المواطن، لما يشوف المسئولين قريبين منه، مش بعيد عنه، لما يشوف الوزير واقف معاه في الإشارة زي باقي خلق ربنا، مش يوقف له الطريق دون احترام لآدمية البشر، التصرفات غير الإنسانية دي بتحسس الناس انهم في نظر المسؤولين مش بشر، ومستني بعد كده يؤدي اللي عليه؟! وعايزاه يجي يا فوزية؟!
وأخيرا، كلمة السر في كل اللي فات هيه "في التعليم وفِي دولة القانون"،
دولة القانون هي سر الأسرار ومفتاح القرار، بيها نتقدم وفيها العدل والتنافس الشريف نحو خير بلدنا...الخ.
وبالتعليم الجيد الناس مش هاتستنى، الناس ها تعمل اللي عليها تجاه بلدها، وهانبدأ نشوف مواطن مثقف وفاهم، لا بيتف ولا بينف ولا بيبصق في الشارع، ولا بيرمي زبالة ولا بيجعر ولابيتفشخر ولا بيتفنن إنه يتهرب ...الخ
وبالتعليم الجيد الناس مش هاتستنى، الناس ها تعمل اللي عليها تجاه بلدها، وهانبدأ نشوف مواطن مثقف وفاهم، لا بيتف ولا بينف ولا بيبصق في الشارع، ولا بيرمي زبالة ولا بيجعر ولابيتفشخر ولا بيتفنن إنه يتهرب ...الخ
"إنه التعليم ودولة القانون يا سادة"...وأي كلام تاني "للأسف" مضيعة للوقت...دمتم ودامت مصر بالف خير.
0 comments:
إرسال تعليق