تُعرّف قواميس اللغة العربية والأجنبية كلمة ( العنف ) بانها التعامل بشدة ؛ سواء كانت جسدياً أم نفسياً . ويشير الباحثون الى أن العنف هو ( الإيذاء ) ؛ اي نوع من الإيذاء فهو عنف ضد الانسان .
استعمال القوة بكل انواعها الجسدية وغيرها ضد الآخرين هو عنف القصد منه تحطيم الآخر وإلحاق الضرر به ؛ هذا باختصار ما يمكن الوقوف عنده ظاهرياً ، ولا يختلف عليه اثنان ؛ لكنَّ الواقع العام ماذا أفرز من مفاهيم جديدة لاسيما في المجتمع العراقي الذي عانى ، ويعاني كلَّ يوم من أشكال متنوعة من التلاعب بمصيره ، ومقدراته ؟
قبل ايام عقد الفاتيكان مؤتمراً برئاسة البابا فرانسيس عن
( معالجة العنف الممارس باسم الدين ) دعا الى ضرورة عدم استغلال كلمة (( الله )) بممارسة العنف ؛ لأنَّ الله مقدس لا يجوز أن ترتكب الأخطاء ، والاضطهادات عبر الدين من خلاله .
وحضر المؤتمر شخصيات دينية مسيحية ، واسلامية من بينهم السيد علي العلاق ممثلاً عن العراق كونه نائباً في البرلمان ، وأحد رجال الدين الذين يرمزون له من خلال زيه الاسلامي
( العباءة والعمامة ) ولا ضير في ذلك .
ماذا تحدث السيد النائب في المؤتمر ؟ لم تصلنا الاخبار حتى هذه الساعة ، ولكننا نتساءل :
هل أوضح السيد للحاضرين حالة الأذى الذي تعرض له الشعب العراقي من خلال نهب امواله ، وامتهان كرامته ، وتحطيمه نفسياً باسم الدين ؟
وهل شرح لهم ماذا تعني ( الهوسة ) العراقية أثناء التظاهرات ضد الحكومة :
باسم الدين باگونا الحرامية ؛ اي سرقنا اللصوص !؟
هل اوضح لهم أن العراقيين تعرضوا لحالات متكررة يومياً من الخداع ، والكذب ، والغش ، والتزوير من أجل بقاء السياسيين في الحكم حفاظاً على مكاسبهم ، وصوناً لثرواتهم كي لا تزول حتى وإن ضاع ثلث العراق مجدداً بيد داعش ، أو أحد اخواتها؟
وهل أوضح ان اسم الله وتعاليم الدين تم استخدامها في الدعايات الانتخابية من أجل الكراسي الأبدية ؟
وهل أوضح سيادة النائب أنَّ كثيراً من الفقراء والبسطاء والمعدمين وقعوا ضحية باسم الدين ، وانتخبوا الفاسدين ، وتجري محاولات جديدة لزجهم في فخ التضليل باسم الله ليجددوا البيعة للفاسدين مرة اخرى في الانتخابات المقبلة رغم الصيحات المتعالية بان : المجرب لا يجرب ؟
كل هذه التساؤلات هي في الحقيقة عوامل مهمة وخطيرة من اساليب العنف التي مورست ضد الشعب العراقي ، وإلاّ كيف يُطلق سراح إرهابي محكوم بموجب القانون ، ويعيّن مسؤولاً مهماً في الدولة؟
وكيف يتم التلاعب بالدستور من أجل بقاء الجماهير تحت خط الفقر ، والطبقة الحاكمة تتنعم بخيرات البلد وكأنَّ أحدهم قارون زمانه ؟
كيف يكون لون العنف ، وطعمه وأغنى مدينة بالعالم
(البصرة ) مازال ماؤها مالحاً وغير صالح للشرب ، واهلها يشترون الماء ليتحملوا ثقلاً مع اثقالهم ، والمدينة تفتقد لابسط انواع الحياة السعيدة بعد ان سرق محافظها أموالها وهرب الى موطنه الاصلي استراليا ؟
وكيف يكون العنف وميسان الغنية بثرواتها ، صاحبة أعرق حضارة سومرية وفيها نشأت مملكة ميسان ، تتعرض اليوم لجفاف دجلتها ، وأهوارها ؛ زرعها توقف ، وطيورها هاجرت ، وأسماكها نفقت ، وربما ستنقرض ؟
كيف يكون العنف ، وأجمل عاصمة عربية ( بغداد ) أضحت فيها العشوائيات وكأنها أفقر مدينة صومالية ، واغلب شبابها من حملة الشهادات يفترشون الارصفة مع ( بسطياتهم ) الحزينة لسدّ رمق العيش ، أو تسديد ديون أثقلت ارواحهم بسبب العوز وعدم توفير الحياة الكريمة التي شرعّها لهم الله ، وسنّها الدين ، وأقرّها الدستور ؟
كيف هو العنف ومازالت أعرق واقدم مدينة تاريخية ( بابل ) م تعرف أبسط انواع الخدمات والرفاهية ، أو حتى ضمّ آثارها الى لائحة التراث العالمي ، ويكفي انّ أسمها : آثار بابل ، وفيها الاسد المشهور الذي ليس له مثيل ؛ علماً ان السيد النائب هو أحد ممثلي بابل في مجلس النواب؟
لا ندري بالضبط هل جرى الحديث في مؤتمر العنف باسم الدين عن كل تلك التساؤلات ، ام كان حديثاً عن داعش التي طبقت مفهوم العنف جسدياً باستخدام كل أساليب القوة والبطش ضد الأبرياء في كل مكان ، ولم تجرِ أحاديث عن معاناة الشعب العراقي المظلوم الذي تحملّ اقسى أشكال العنف من داعش ، والفاسدين ، والسياسات الخاطئة ؟
نأمل أن السيد النائب أجاب عن كل أسئلتنا في المؤتمر ليتسنّى معرفة الحقيقة ، وليس فقط الاستماع الى نصائح البابا ..
0 comments:
إرسال تعليق