من جديد
تطل وزارة التعليم بوجهٍ جديدٍ لمستقبل أبنائنا، وتفتح الباب أمام مصطلح لامع اسمه
"البكالوريا المصرية"، وكأنها تريد أن تصدر صورة مغايرة للواقع الذي
نعيشه منذ سنوات. تصريحات الوزير جاءت اليوم محمّلة بالطمأنة، مؤكداً أن النظام
الجديد ليس سوى امتداد للثانوية العامة، بفارق لا يزيد عن عشرين في المائة في بعض
المواد المتقدمة.
لكن
السؤال الذي يتسرب إلى ذهن كل ولي أمر: إذا كان الفرق ضئيلاً إلى هذا الحد، فما
الداعي إذن لإقحام المجتمع في دوامة جديدة؟ أهو مجرد تغيير في الأسماء والشعارات؟
أم محاولة لتجميل وجه منظومة مثقلة بالأزمات؟
الوزير
تحدث عن "المستوى المتقدم" مطمئناً أنه لا يعني صعوبة، بل مجرد دروس
مركزة. إلا أن التجربة المريرة مع مصطلحات مشابهة من قبل، مثل "الأوبن
بوك" و"البابل شيت"، تجعلنا أكثر حذراً: فكل جديد قُدِّم في
البداية كجسر للتيسير، فإذا به يتحول في التطبيق إلى عثرة جديدة في طريق الطلاب،
يفتح باباً أوسع للدروس الخصوصية واحتكار المعرفة.
ثم يأتي
الحديث عن الكليات المتاحة أمام المسارات المختلفة. الوزير أكد أن هناك العديد من
الكليات المشتركة، لكن هذا القول لم يبدد الغموض، بل ترك خلفه شكوكاً: هل سيتساوى
طلاب كل المسارات في فرص دخول كليات القمة؟ أم سنجد أنفسنا أمام تصنيفات طبقية
جديدة تضع بعض الطلاب على أبواب مسدودة؟
أما
التصريح بأن "مخرجات التعلم واحدة في النظامين" فيبدو متناقضاً بحد
ذاته؛ إذ كيف يكون النظام الجديد "أفضل" و"أخف" وفي الوقت
ذاته ينتج نفس المخرجات؟! إننا أمام معادلة غير متوازنة لا يستقيم فيها المنطق ولا
التطبيق.
وعندما
وصل الوزير إلى مسألة الاعتراف الدولي، بدا وكأنه يسابق الزمن، مؤكداً أن
البكالوريا المصرية معترف بها مثل الثانوية العامة تماماً. والحقيقة أن أي شهادة
وليدة تحتاج سنوات من التجربة قبل أن تحظى باعتراف دولي واسع، أما القفز على
الحقائق فلن يقنع المجتمع ولا الجامعات في الخارج.
اللافت
أن الوزير ختم حديثه بدعوة الطلاب وأولياء الأمور إلى الاعتماد فقط على المنصات
الرسمية للوزارة وعدم الالتفات لأي مصادر أخرى. وهنا يكمن بيت القصيد: الثقة. فلو
أن الثقة بين الوزارة والمجتمع راسخة، لما احتاج المسؤول أن يكرر وصاياه بالاعتماد
على منصاته.
فى
النهاية بقى أن أقول: إن أزمة التعليم في مصر لا تكمن في تغيير الأسماء ولا في
تصدير المسميات البراقة، بل في غياب الرؤية الواضحة، والتسرع في القرارات، والفجوة
العميقة بين خطاب الوزارة وواقع الفصول المكتظة والمدارس المتهالكة.
لقد
أراد الوزير أن يقدّم البكالوريا كنافذة أمل، فإذا بها تثير قلقاً مشروعاً، وتفتح
أبواباً لأسئلة أكبر من أن تجيب عنها بضع تصريحات متفائلة. إن إصلاح التعليم ليس
لعبة تبديل مسميات، بل مسار طويل يحتاج إلى شجاعة الاعتراف بالواقع قبل تزيينه
بالكلمات.

0 comments:
إرسال تعليق