• اخر الاخبار

    الاثنين، 2 نوفمبر 2020

    الدكتور عادل عامر يكتب عن : قانون النفاق في المجتمع

      



    إن المصري يمارس النفاق. إنه ينافق لأنه يعلم يقينا أن الكفاءة لا تؤدى بالضرورة إلى النجاح والعمل الجاد لا يؤدى بالضرورة للترقي والتعليم الجيد ليس شرطا للحصول على الوظائف وأن القانون لا يطبق إلا على الضعفاء، أما "الأكابر"، فإن القوانين يتم تغييرها لحمايتهم. المصريون يعلمون أن كلمة الحق أصبح ثمنها باهظا وهم غالبا غير مستعدين لدفعه.  

    إذا اجتهدت، سوف تتقدم في العمل وإذا تعلمت جيدا ستحصل حتما على وظيفة وإذا غضب عليك مديرك فإن يده ليست مطلقة في التنكيل بك لأن هناك لوائح تطبق على الجميع بمن فيهم مديرك. المواطن في دولة ديمقراطية لا يخاف من قول الحق ليس لأنه أشجع من المصريين وإنما لأنه مطمئن إلى حماية القانون الذى يطبقه قضاء مستقل يساوى بين الكبير والصغير.   إننا بالطبع لا ندافع عن المنافقين ولا نلتمس لهم الأعذار، لكن النفاق ليس مجرد نقيصة أخلاقية وإنما ظاهرة اجتماعية من السذاجة أن نتصور أننا سنتخلص من النفاق عن طريق المواعظ الدينية والأخلاقية  

    لأن النفاق ليس هو المرض وإنما هو أحد أعراض مرض الاستبداد.     النفاق وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرهم الله في القرآن وحذر منهم وبيّن صفاتهم، ولم ينبت النفاق في المدينة إلا بعد أن قوي الإسلام واشتد عوده وظهرت شعائره، فوجودهم حالة طبيعية ملازمة لتطبيق الشريعة وقوتها وظهورها وليس عيباً على الشريعة، فالنفاق لا يخرج إلا في المجتمع الإسلامي القوي، حين تظهر شعائره وتعظم حرماته فيضطر البعض لسلوك النفاق  

    لأنه لا يستطيع أن يمارس فساده وانحرافه، فهذا علامة قوّة وصحة للمجتمع، فوجود النفاق لا يؤدي لإلغاء الإلزام بالحكم الشرعي وإلا لكان هذا طعناً وانتقاصاً من سنة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم لأن قوّة الشريعة وظهورها على يده هو الذي أنبت المنافقين ولم يكونوا موجودين قبل ذلك لما كان الإسلام ضعيفاً في مكة.  

    فالحديث بطريقة: أن الإلزام يؤدي للنفاق، وبالتالي فلا إلزام، خلل وتركيب خاطئ للموضوع. بل وجود النفاق مع الإلزام ظاهرة صحية شرعية طبيعية، فلا يتعطل أصل شرعي من أجله. النفاق لا يوجد إلا مع قوة الإسلام، ولن يذهب إلا مع ضعف الإسلام، فإذا كان الهدف هو إزالة النفاق فالحل إذن هو في إضعاف الإسلام حتى لا يحتاج أحد للنفاق.  

    أما حين يذهب الدعاة والعلماء والفضلاء لتقوية الإسلام وأحكامه وقيمه ومبادئه في نفوس الناس وإشاعته ونشره فإن هذا سيؤدي بداهة لوجود المنافقين الذين يضطرون لمسايرة هذا الواقع والاستفادة من منجزاته، فوجود النفاق دليل على قوة الإسلام وإيجابيته وفاعليته وليس ضعفه. فالإلزام لا يُترك خشية النفاق، بل الإلزام يلحق حتى المنافقين، فقد كان يتهرّبون من حكم الإسلام (ألم ترا إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت).  

    فهم يرفضون التحاكم، والله يذمهم ويعيبهم على تركهم للتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فترك التحاكم إلى الشريعة والابتعاد عن الإلزام بها هو صفة المنافقين، وليس هو سبب للنفاق. فالتصوّر الشرعي: هو دعوة المنافقين للتحاكم وإلزامهم به. أما أن يترك الإلزام لأجل أن لا يكون منافقين فهو بعثرة للصورة بالكامل. وإذا كان هذا في المنافق غير المؤمن من الأساس فكيف بالمؤمن المسلم المنقاد؟  

    النفاق لا يستقر في النفوس بسبب الشعائر، الشعائر والإلزام بركة وديانة وتقوى لله، هذا يحبب النفوس للدين ويجعلها تألفه وتحبه وتعتاده، النفاق لا ينشأ بسبب هذا، إنما ينشأ بأسباب أخرى، من أعظمها شيوع الشبهات والتشكيكات في الدين ونشر كل ما يمس الدين ويقدح فيه، فهذا من أعظم أسباب النفاق لأنه يهز اليقين في نفوس بعض الناس ويدخلهم في الحيرة والشكوك، فهذه منابت النفاق التي يجب الحرص عليها لمن كان صادقاً فعلاً على علاج النفاق ومتألماً منه. فتعريف النفاق في السؤال قائم على نفاق آخر ليس هو النفاق الذي يعرفه الناس. يعد النفاق أحد أخطر الابتلاءات والأمراض الاجتماعية والنفسية التي ابتليت وعانت وتعاني منها المجتمعات العربية الإسلامية حصرا!. فلا أعتقد بأننا سمعنا يوما بأن المواطن في ( النرويج) يعرف ما هو النفاق ومن هم المنافقين وكيفية النفاق؟ كما لا أعتقد أننا سمعنا بأن أحد موظفي وزارة في (الدانمارك) عانى من نفاق أحد زملاء العمل معه وسبب له مشكلة كبيرة؟!، وهكذا في باقي دول أوربا. فقط النفاق والمنافقين تجدهم عند العرب المسلمين فأينما يحلوا وفي أي مكان من العالم يحل معهم النفاق؟! فهو ظلهم أينما حلوا وارتحلوا!  

    ويشكل النفاق جزء مهم وكبير من شخصية الكثير من المسلمين وحنى من تركيبتهم الجينية؟. ومن المفيد أن نذكر هنا بأن المنافقين قد ورد ذكرهم في القرآن الكريم بشكل واضح وصريح (36) مرة!، خلاف الآيات الأخرى التي ورد ذكرهم فيها ولكن ليس بشكل واضح وصريح!. كما أن الله عز وعلا قد توعد المنافقين بأقسى العقوبات، كما ورد في الآية 145 من سورة النساء (أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا).  

     والملفت أن النفاق ولد منذ وجدت البشرية على هذا الكون!، فكم عانى الرسل والأنبياء من مكر المنافقين وخادعهم وكم تعرضوا من أذيتهم. ويكثر النفاق وتزداد قوة المنافقين وسطوتهم وتتسع رقعتهم كلما كانت البلاد تعاني من ظروف سياسية واقتصادية مضطربة وتدخلات أجنبية وتحيط بها المخاطر من كل جانب وتكثر فيها الأزمات والمشاكل الاجتماعية من فقر وجهل وأمية وينهش بها الفساد، مما يفقد الدولة هيبتها وبالتالي تضعف سيطرتها على مفاصل الحكم، كما في المشهد العراقي الذي يعيشه العراقيين الآن!. والنفاق سلاح خطير، قاتل ، ساحق ، ماحق، يتحرك بصمت وبهدوء شيطاني مريب حتى يجهز على هدفه ويسبب ما يسبب له من مشاكل ولغط ويجعله لقمة في أفواه الجميع!.  

    ونادر ما سلم أحدنا من لدغة وقرصة المنافق!، ومحظوظ من خرج سالما معافى ومقتنعا بأقل الخسائر من تلك اللدغة والقرصة!، وخاصة في أجواء المشهد وصورة المجتمع المخيف والمرعب والمطوق بالنفاق والغيرة والحسد والحقد!. وكم من أناس غيبتهم السجون وكم فقدوا حتى حياتهم بسبب نفاق منافق، وكم من بنت ضاعت سمعتها بسبب نفاق منافق مريض مصاب بعقدة الشعور بالنقص!، وطبعا عندما نأتي على ذكر النفاق والمنافقين فنحن نقصد الرجال من المنافقين والنساء على السواء!. ولطالما اكتملت صورة النفاق والمنافقين مع وجود الغيرة والحسد والحقد!. فهذه الأمراض الاجتماعية النفسية الرباعية عافاكم وأبعدكم الله منها أذا أصابت شخص ما فأنه لا محال سيتحول الى كتلة شر متحركة، ويكون بؤرة من بؤر الخراب ولا يأمن شره حتى وهو يطوف حول الكعبة!. المؤلم في صورة المشهد العراقي بأن مصيبته من هذه الأمراض كبلد عربي مسلم هو أكثر من باقي البلدان العربية الإسلامية!، لأن المجتمع العراقي أصيب بفتنة الطائفية التي لا تقل خطورة عن النفاق،  

    فلنتصور حجم الخطورة ومكملاتها من أمراض الحسد والغيرة والحقد!!. وتتجلى صورة النفاق وكثرة المنافقين في أخطر وأعلى وأقوى صورها في دوائر الدولة ووزاراتها وكل مؤسساتها الحكومية المدنية والعسكرية منها!. فهذا القطاع الحكومي بقدر ما يعاني من ترهل وتخمة في أعداد موظفيه ومنتسبيه فأنه يعاني من النفاق الذي يأكل وينهش بواقع هذه الدوائر كما ينهشها الفساد!. ومحظوظ من سلم وجنب نفسه لسان منافق ونظرة حاقد ونفس حاسد، وخاصة أؤ لائك الموظفين الناجحين الذين يؤدون واجبهم بكل أخلاص وتفاني وأمانة والذين يحظون باحترام ومحبة رؤسائهم وبقية الموظفين، فهؤلاء يكونوا أهدافا منتخبة للمنافقين ونفاقهم! . وحقيقة الأمر أن كل منافق تراه مصاب بأمراض الغيرة والحقد والحسد،  

     لأن المنافق هو أصلا يعاني من عقدة الشعور بالنقص! وهذه الأمراض تكمل بعضها الأخرى. وكما أسلفنا أن صورة المنافق تكتمل وتصل الى أعلى درجات الخطورة عندما تكتمل كل هذه الأمراض والصفات الذميمة!. وقصص النفاق في دوائر الدولة المدنية منها والعسكرية كثيرة وكثيرة يشيب لها الولدان كما يقال!. وطالما سمعنا عبارة ( حركوا أو أحترك فلمه!)،  

    نعم أن النفاق سلاح قاتل صامت يفاجئك بلحظة وبموقف لم تحسب له حساب ولم يخطر لك على بال!. أخيرا نقول: أن تطور المجتمع وتقدمه وازدهاره وحل أزماته العديدة وسيادة القانون وأعاده هيبة الدولة ونشر الثقافة والمعرفة وفهم الدين فهما حقيقيا كلها كفيلة لا نقول بالقضاء على هذه الآفة المدمرة بل بتحجيم النفاق والمنافقين على أقل تقدير. ولا بغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. إذا غابت دولة القانون، ساد النفاق. يلتحف به المنافقون وقاية لمصالحهم. يدخلون في زمرة أهل السلطة هرولة وهلعاً. حدث هذا فى «حزب مصر» «والحزب الوطني» أيام الرئيس السادات. كما تكالبوا على «الحزب الوطني». حتى الأحزاب الورقية. اتخذوها دروعاً واقية.  

    تلك هي العلة في هذا البلد.. مَن يحس بالمصاب لا يملك منعه.. ومَن يملك منعه لا يحس بالمصاب. جملة بليغة جاءت على لسان بطل رواية «أرض النفاق» للكاتب الكبير يوسف السباعي. وجسدها العبقري فؤاد المهندس في عمل سينمائي عام 1968. إنها قصة النفاق والمنافقين. وأرض النفاق الخصبة التى تترعرع فيها وتزدهر أحوال المنافقين. الذين يتكسبون من نفاقهم. ويسترون عرواتهم. لاعتقادهم أن مَن فى يده السلطة. هو حماية لهم. يحاولون اقناعه بأنهم يحمونه. في حين أن العكس صحيح. هم ألد الأعداء. ضررهم أكبر من ضرر الخصوم. والنفاق رخيص. سهل. سريع المفعول. يصل بصاحبه إلى حيث يشاء. النفاق ينتشر فى المجتمع المصري كما النار فى الهشيم. المنافقون لا يتورعون. يصلون إلى أقصى مدى. يعزفون سيمفونيات النفاق ليل نهار. أصحابه لا يدفعون ثمنه. بل يدفعه الأبرياء وحدهم.  

     

    *كاتب المقال

    دكتور القانون العام

    عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

    مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

    مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي  للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

    مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية

    مستشار تحكيم دولي         محكم دولي معتمد      خبير في جرائم امن المعلومات

    نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي  لحقوق الانسان والتنمية

    نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا

    عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة

    عضو منظمة التجارة الأوروبية

    عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان

    محاضر دولي في حقوق الانسان

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: الدكتور عادل عامر يكتب عن : قانون النفاق في المجتمع Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top