• اخر الاخبار

    السبت، 26 يناير 2019

    الدكتور عادل عامر يكتب عن :أثَر التسويق الهرمى والشبكي على الاقتصاد



    من حيث المبدأ، لن تجد أي أحد يقول أنه يعمل ضمن مخطط تسويق هرمي، أو يصف شركته بهذا الاسم، فالتسويق الهرمي محظور تماماً في معظم البلدان والعبارة بحد ذاتها باتت مرتبطة بمعاني سلبية، بحيث كان من الضروري تمويهها إلى ”التسويق الشبكي“ أو ”التسويق متعدد الطبقات“ أو حتى ”البيع المباشر“ في بعض الحالات.
    تكاثرت الشركات و المؤسسات المتنافسة في كل المجالات فازدادت أهمية التسويق ثم تعددت التخصصات و المصطلحات لتشمل التسويق الشبكي و البيع بالعمولة و التسويق الهرمي و الفيروسي و أيضا الاجتماعي و عبر الشبكات الاجتماعية و تسويق العصابات و الأنواع كثيرة و متعددة.
    باختلاف هذه المصطلحات تختلف تماما الطريقة المتبعة في تسخير كل واحد منها للهدف المنشود، و تختلف نظرة المنطق إليها و مشروعيتها القانونية و الدينية. و بانتشارها بقوة بين الشباب و مستخدمي الإنترنت هذه الأيام تزداد حدة الجدل بين المدافعين عن التسويق الهرمي و الشبكي و بين من يرفضون هذه الطرق الربحية و من يشككون في الربح عبر البيع بالعمولة. ومع كون التسويق الهرمي هو عبارة لن تسمعها من أحد يحاول أن يعرض عليك فرصة مغرية، فالأفضل هو البحث في الإشارات التي تدل على كون الأمر تسويقاً هرمياً.
    أتت تسمية التسويق الهرمي من الآلية التي تمر عبرها الأرباح في هذا النوع من التسويق، ففي الأعلى يقع المؤسس وتحته طبقات متتالية ومتزايدة بأضعاف من السابقة لها، مع كون الترتيب الذي يجعل كل طبقة ضعف السابقة لها هو الأكثر انتشاراً عادة.
    والمبدأ الأساسي لهذا النوع من التسويق هو مبيع منتجات رخيصة للغاية ومجردة من أي قيمة فعلية بأضعاف سعرها الحقيقي كغطاء لما يمكن تسميته ”بيع الفرصة“، فشراء منتج من إحدى شركات التسويق الهرمي يتيح لك التسويق للمنتج المبالغ بسعره أصلاً وجني المال من العمولات. تعد هذه الطريقة قديمة جدا حتى قبل انتشار الإنترنت كانت معروفة عالميا، بالخصوص في الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الأجنبية.
    على الويب هناك مواقع و جهات تطلب منك تقديم استثمار مالي أولي للاشتراك لديهم و الحصول على رابطك الخاص الذي تنشره و تجلب مشتركين و مجندين لربح عمولة من كل واحد منهم و نفس الأمر بالنسبة لهم، فقد دفعوا أيضا استثمار مالي و اشتركوا عن طريقك و عليهم البحث عن المزيد من الضحايا أمثالهم و اغرائهم لاستثمار المال للاشتراك و البحث مجددا عن المزيد من المغفلين! إنها دائرة مفرغة لا معنى لها، لا يوجد منتج حقيقي و لا عميل مهتم كل ما يجري هنا أنك ضحية تحاول جلب المزيد من الضحايا و أكثر الرابحين هم من في أعلى الهرم.
    إذا فشلت في جلب المجندين للاشتراك عن طريقك فهذا ما يدعى الخسارة في أبهى صورتها و تزداد حجم المأساة كلما كانت قيمة الاستثمار للاشتراك كبيرة. في عام 1974 صدر قانون منع الشركات الهرمية و حظرها و ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية و من حينها عملت الدول و الحكومات على محاربة هذا النوع من التجارة الغير الأخلاقية.
     للوهلة الأولى يبدو الأمر بسيطاً جداً وبريئاً، فمبدأ البيع والتسويق مقابل عمولة هو مبدأ معروف كون العديد من الشركات تعتمده، لكن مبدأ التسويق الهرمي يختلف هنا بتحويل كل مشترٍ للمنتج إلى ما يشبه وكيلاً للبيع يقوم بالترويج للمنتج مجدداً، ومع كون الأرباح تأتيك سواء قمت بالتسويق بنفسك أو أن أحداً اشترى بواسطتك قام بالتسويق، فالأرباح المحتملة تبدو كبيرة جداً ومن الممكن أن تصل نظرياً لملايين الدولارات خلال وقت قصير من الزمن.
    فيعتبر العصر الحديث هو عصر الثورة المعرفيّة والتطور التكنولوجي بشتى أنواعه، فجميع المنظمات سواء الخدميّة أم الصناعيّة تسعى وبشكل مستمر من أجل تحقيق سعيها نحو تحقيق البقاء والنمو والاستقرار في ظل المنافسة الشديدة، حيث غدا تسويق المنتجات أمراً استراتيجياً ومهما في نمو الشركة، وفي كسب عملاء وزبائن جدد. ويعتبر التسويق في الوقت الحاضر أحد الخيارات الاستراتيجيّة لتحقيق هذا الهدف، سواء كانت سلعاً حقيقيّة أو خدماتيّة أو تجارة الكترونيّة وما شابهها، وقد تنوّعت في وقتنا الحاضر طرق ونمط التسويق التجاري حيث استجد نوع من أنواع التسويق الحديث، وهو ما تعارف عليه بالتسويق الشبكي (Marketing Network) أو ما يطلق عليه بالتسويق متعدد المستويات (Marketing Multi Level)، والذي يهدف إلى كسب شريحة كبيرة من الناس، وجعلهم عملاء دائمين أو مستمرين، وقد حظي هذا النوع من التسويق على الكثير من الاهتمام والانتشار في وقتنا المعاصر.
    ومن أجل فهم حقيقة التسويق هذا لا بد لنا من أن نفهم التسويق العادي، فنحن نقدم المال من أجل الحصول على منتج كالطعام والشراب وغيرهما، فالتسويق في المفهوم المعاصر حسب تعريف الجمعيّة الأمريكيّة للتسويق بأنه أداء أنشطة الأعمال التي تعتني بتدفق السلع والخدمات من المنتج إلى المستهلك
    ، فالمقصود بهذا التسويق هو قيام الشخص بالبيع الشخصي للزبون بشكل مباشر. وأمّا التسويق الشبكي فقد عرفه كلا من (2012Barker, & Neher) بأنه: أسلوب للبيع الشبكي يسمح لمن يشترك فيه أن ينشئ شبكة خاصّة به يستطيع من خلالها ضم العديد من العملاء الجدد، وبيعهم الخدمة أو المنتج، مقابل عمولة يحصل عليها عن كل مشترك جديد وهكذا[2]، بينما عرفته لجنة التجارة الأمريكيّة الفدراليّة بأنه تسويق لديه منتجات حقيقيّة للبيع، والأهم من ذلك، مسوّقوه يقومون ببيع منتجاتهم لعموم الناس، ولا يطلبون من هؤلاء المستهلكين دفع أي شيء إضافي أو الدخول في نظام التسويق الخاص بهم، شركات التسويق متعدّد الطبقات تقوم بدفع العمولات لقائمة طويلة من الموزعين (البائعين)، لكن هذه العمولات تكون مقابل بيع منتجات، وليس مقابل تعيين أشخاص.
    وقد يختلط مفهوم التسويق الشبكي بالتسويق الهرمي ونظام بونزي، ولا بد من التفريق بين المصطلحات الثلاثة، فنظام بونزي يرجع إلى شارلز بونزي، إيطالي انتقل وعاش في أمريكا خلال الفترة من نهاية القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين، وطور نظام احتيال على هيئة استثمار، وعلى أثره تمت محاكمته وسجنه عدة مرات، وأخيراً تم ترحيله من أمريكا، فيقوم نظام بونزي الأصلي على جمع أموال الراغبين في الاستثمار، ووعدهم بنسبة أرباح عالية، خلال فترة قصيرة، فالاحتيال في هذا النظام يكمن في أن الأرباح التي تُدفع، هي في الواقع أموال المستثمرين أنفسهم، أو المشتركين الذي اشتركوا بعدهم.
    بينما يعرف التسويق الهرمي بأنه نموذج يقوم على ما يجمع من المشتركين فيها بدفعة على هيئة نقد أو خدمة أو معلومة، مقابل جلب مشتركين آخرين للانضمام في المنظمة، أو تدريبهم لجلب أعضاء آخرين. ولا يعني ذلك بالضرورة عدم وجود سلعة يتم تداولها أو بيعها للعامة، ولكن التركيز الرئيسي والهدف الأكبر هو جلب مشتركين جدد، ولذلك سمي هذا النظام بالهرم، لأن المشتركين الجدد يضافون تحت من سبقهم من المشتركين، مما يكون هرم، أعلاه مؤسس المنظمة أو مندوبة، وأدناه آخر المشتركين انضماما.
    وقد قامت القوانين الغربية بحظر التسويق الهرمي، وتصنيفها ضمن معاملات الغش التجاري، وهو ممنوع ومحارب في أمريكا ومعظم دول أوروبا وأسيا وجنوب افريقيا وغيرها وقد تم التحذير من مثل هذا النوع من التعامل، وقد حذر الكثير من الاقتصاديين الغربيين من خطورة هذا النوع على الاقتصاد الوطني والإضرار بمصالح المتعاملين، كما حذرت أمريكا من هذا النوع من التسويق الهرمي على الموقع الرسمي على الانترنت
    ، وحيث أن مفاهيم التسويق الشبكي قد اختلطت بالتسويق الهرمي، فلابد من التفريق بين القسمين، فقد أوضحت هيئة التجارة الأمريكية الفدرالية في بحث قدمه الأمين العام السابق لها "Debra A. Valentine" معيارا واضحا للتفريق بين النوعين، فبرامج التسويق الهرمي سواء قامت على اشتراكات مالية مجردة أو دخلت السلع كوسيط، تشترك فيما بينها على وعود للمستهلكين والمستثمرين على جني أرباح كبيرة تستند على تجنيد آخرين للانضمام لبرنامجهم، وليس على أساس استثمار حقيقي أو بيع حقيقي لمنتجاتهم، فلا يوجد مبيعات تجزئة في الأسواق أو للناس المستهلكين، بل تقتصر المبيعات على المجندين داخل الهرم.
    ولكن "روبرت ل. فيتزباتريك" الاستشاري الاقتصادي البارز في مجال الأبحاث المتعلقة بالتسويق الشبكي قد ذكر أنه على المستوى القانوني في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى شركات التسويق الشبكي التي تبيع منتجات متعددة ومنافسة ومفيدة تم محاكمتها قضائيا تحت قوانين فدرالية أو قوانين خاصة بولايات بعينها ضد الأنظمة الهرمية،
    والعديد من شركات التسويق الشبكي هي الآن تمارس انتهاكات للقواعد والإرشادات التي تحمي من الأنظمة الهرمية ولكن بشكل مقنع ومستتر، فهذه الشركات مستمرة في العمل حتى الآن ليس لسبب أكثر من عدم القدرة على إثبات هذه الانتهاكات قانونياً
    يرى أنصار التسويق الشبكي أنّ الحصول على الربح السريع يعتبر من أهم الأسباب الدافعة إلى هذا النوع من التسويق، فهذا النوع من التسويق يحقق أرباحا طائلة كون نموه على شكل شبكة متعددة العملاء، ولا يحتاج إلى تكاليف مرتفعة لتسويقه، إذ هذا النوع من التسويق لا يوجد فيه في الغالب شيء اسمه منتج، ولا تحتاج إلى موقع أو إلى خطط مالية، كل ما عليك فعله هو أن تجد شركة لديها خدمة معينة بحيث تثق بها وتتعامل معها، ومن ثم تشكل سلسلة من العملاء بداية منك وهكذا دواليك ومن ثم تحصل على الأرباح وكلما كبرت شبكتك كبر ربحك.بينما يرى الاقتصاديّون المعارضون للتسويق الشبكي أن التسويق الشبكي له آثار سلبية على الاقتصاد يمكن تلخيصها كالآتي:
    أولاً: عدم تحقيق الكفاءة الاقتصادية لمفهوم التسويق: ومن المعلوم أن مفهوم التسويق الكفء يجب أن يختصر التكاليف والوقت ويستجيب مع التطور التكنولوجي.
    فقد ظهر التسويق الشبكي وانتشر في الولايات المتحدة الأمريكيّة في الفترة التي سبقت عصر الإنترنت والاتصالات السريعة، وكانت الحاجة له مدفوعة من التكلفة العالية للتوزيع والشحن والتخزين، التي تتكبدها الشركات المصنعة لمنتجات عدد مستهلكيها قليل، وتوزيعهم على مستوى جغرافي كبير، وقد قام التسويق الشبكي بحل هذه الإشكاليّة، عن طريق خفض التكاليف والمصاريف المتعلقة باستئجار معارض ومستودعات وتوظيف مندوبين مبيعات وفنيي صيانة، والانتشار الجغرافي عن طريق نظام شبكة الموزعين.
    فمما يثير التساؤلات حول الشركات التي تستخدم هذا النظام في الوقت الحالي، أن هذا النظام أساساً، نشأ وازدهر في بيئة كانت تحتاج لهذا النوع من التسويق، ففي الفترة قبل الإنترنت وقبل الاتصالات السريعة، كان من الصعب إن لم يكن مستحيلاً إيصال رسالة أو إقناع مزارع أو فلاح في قرية نائية بأهمية منتج قد يسهل حياته، أو يزيد من انتاجيته، وأما الآن، فمع وجود التقنية، أصبح بإمكان المشتري في قرية صغيرة من أقاصي البلاد، طلب منتج من الطرف الآخر من العالم بضغطة زر خلال عشر دقائق، ويصله إلى أقرب مدينة كبيرة إن لم يكن إلى باب بيته خلال أسابيع قليلة، فبالتالي اختفى الداعي لوجود نظام تسويق شبكي بالكثافة الموجودة حالياً.
    ثانيا: خروج التسويق الشبكي عن موضوع الترويج والتسويق للسلع والخدمات: فيرى "روبرت ل.فيتزباتريك" أن أضخم شركات التسويق الشبكي تعترف بأن حجم مبيعاتها لغير ممثلي الشركة أو الراغبين في إنشاء شبكة تسويقية لا يتجاوز 18% فقط.
    ثالثا: تحقق الاحتيال والنصب في التسويق الشبكي: فيرى "روبرت ل. فيتزباتريك" أن الخداع هو من السمات المميزة والمتأصلة في جميع أنظمة التسويق الشبكي وهو ضروري ولا يمكن الاستغناء عنه لتسويق تلك الأنظمة، فغالبية من يستثمر في التسويق الشبكي يكتشف في النهاية أنه صفقة خاسرة، وهذه حقيقة تاريخية مؤكدة.
    ويضيف بأننا إذا ما قمت بإزالة بريق المشروع التجاري وفرصة تحقيق الأرباح الكبيرة من عملية بيع السلعة بالتسويق الشبكي تجد أنك أمام نموذج غير عملي أو إنتاجي من أساليب البيع، فالتسويق من فرد لفرد هو نموذج من الماضي السحيق وليس المستقبل، والتسويق مباشرة من الفرد لأقربائه أو أصدقائه يتطلب منهم تغيير عاداتهم الشرائية، ففي هذا النموذج تكون اختياراتهم للسلع محدودة ولا تماثل التنوع الكبير الموجود في المولات مثلا، وفي غالبية الأحيان تكون المنتجات – وإن كانت عالية جودة – منتجات غالية الثمن عن وضعها الطبيعي.
    وهذه الأسباب التي توضح عدم جدوى أو كفاءة التسويق من فرد لفرد والتي هي المسؤولة عن الوضع الحقيقي لشركات التسويق الشبكي: وهو بيع الفرصة الوهمية لتحقيق أرباح كبيرة للعديد من الراغبين في الاستثمار وليس بيع فعلي للمنتجات.
    وقد قام ستيفن بارت رئيس اللجنة التنفيذية بالمجلس الوطني لمكافحة الغش الصحي، بتحليل معلومات دعائية لأكثر من 40 شركة تسويق منتجات ذات صلة بالصحة وفق هذا النظام في أمريكا، وخلص إلى أن جميع هذه المعلومات الدعائية مبالغ فيه بشكل كبير.
    كما قام مجموعة من الباحثين بدراسة أحد منتجات شركات التسويق الشبكي، وهو عصير الآساي، فاستنتجوا بأن الآساي ظاهرة تسويقه عبر الإنترنت أكثر من كونها مادة علمية
    . وفي دراسة أجراها موقع حقيقة التسويق متعدد المستويات بإشراف الدكتور جون تايلور على مجموعة من شركات التسويق الهرمي والشبكي وجد أن معدل الخسارة في النظام الهرمي بدون منتج ما يقرب من 90٪، في حين أن معدل الخسارة في النظام الشبكي القائم على أساس المنتج هو حوالي 99٪.
    رابعا: استنزاف موارد المجتمع وثرواته: وذلك من الأموال التي تدفع للتجنيد في النظام الشبكي، والأوقات التي تبذل من الشباب المجندين، مما يفوت فرص بديلة للطاقات البشرية، ويهدر أموالا كان الأصل أن تستثمر بما يسهم في التنمية الحقيقية للمجتمع
    أن التسويق الشبكي يعتبر استنزافا لأموال المنتج لصالح شركات التسويق الشبكي؛ عن طريق بيع منتجات بأضعاف ما تستحقه، وإشغال كثير من الشباب عن التركيز في الأعمال التي تعود عليهم وعلى مجتمعهم بالتنمية والتطوير إلى أعمال تستنزف أموال المجتمع وتضيع أوقات الشباب الطامحين.
    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: الدكتور عادل عامر يكتب عن :أثَر التسويق الهرمى والشبكي على الاقتصاد Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top