تكلمت كثيرا عن مشاكل التعليم ، وكتبت الكثير من المقالات سواء فيما يخص العملية التعليمية ، أو ما يخص المعلم ، والذى يعتبر أساس العملية التعليمية وجوهرها ، وطالبت مرارا وتكرارا بضرورة الإهتمام به ، لكننا جميعا اغفلنا اهم ما يفيد التعليم والعملية التعليمية والقائم على نجاحها الا وهو ( المعلم) .... نعم اعيدها واكررها أنه ( المعلم ) وليس الوزير، ولا المدير ، ولا المشرف ، ولا غيرهم من مناصب التعليم .
قرأنا في الصحف وما زلنا نقرأ ونشاهد عبر القنوات الفضائية ما يحدث للمعلم من ضرب واهانة على ايدي طلابه ،حتى أصبح عدم إحترام المعلم ظاهرة شاعت وتتكرر من وقت لآخر، وهذا يعود لأسباب عديدة أولها فقدان الطالب لمجموعة من القيم والأخلاق على رأسها احترام الكبير والمعلم وإدراك قيمة أن من يعلمنا حرفا نصير له عبدا، دون قصد معناها الحرفى ولكن مضمونها الذى يعنى احترام المعلم وتقديره، لذلك تدنت مكانته الأدبية ولم تعد له هيبة العالم والمعلم والقدوة ، ولذلك صار إحترام المعلم لا يجد من يحميه، لأنه أصبح لا شخصية، ولا احتراما من المجتمع ولا حتى تقدير مالى؟، ناهيك عن أن هناك أسبابا أخرى عديدة هى النظرة التعارفية، وهى نظرة دونية للمعلم، ولا يقبل كعالم ، ولا مؤسس حضارة ، إنما ينظر اليه دائما كموظف درجة ثالثة ، فلا يشترك فى أنشطة المجتمع السياسية ولا القيادية أو النقابية، إلى جانب جدارته بالاحترام، حتى منظره وملبسه ومسكنه ومسلكه، فى كثير من الأحيان لا يجد الاحترام ، فهيبة المعلم من أساسيات العملية التربوية وتحقيقها يتطلب الحصول على حقوقه المعنوية والمادية، ففى الدول المتقدمة يعتبر المعلم من أعلى وأقدر الكيانات في الدولة .
حتى صناع السينما والدراما لم يسلم منهم المعلم ، فقد تعمدوا تشويه شخصيته في معظم الأعمال الدرامية والسينمائية والمسرحية، حيث تحالف الإعلام بصفة عامة باعتماده على الإثارة والتهويل والتهريج، لجذب الجمهور الذي يبحث عن الإثارة والضحك التي تصور المعلم بأنه أحمق وغير مهندم،وفقير ومستهتر ، وشخصية هزلية إذا تحدثتْ تثير الضحك والسخرية، وقد تصيبك بالغثيان إذا رأيتها، مثل "الأستاذ حمام " لنجيب الريحاني - و"ياقوت أفندي"لفؤاد المهندس - و"الملواني" لعبدالله فرغلي - و"مدرسة المشاغبين" لحسن مصطفي -،" ورمضان مبروك أبوالعلمين حمودة " لمحمد هنيدي ، وغيرها من الأعمال السينمائية والدرامية والمسرحية ..
وفي الوقت نفسه تطالعنا من وقت لأخر الصحف والقنوات الإعلامية بتصريحات غريبة لمسئولى وزارة التربية والتعليم ، وكذلك ردود نواب البرلمان داخل المجلس، واستياءهم المستمر من المطالبات الشرعية للمعلمين بزيادة رواتبهم ، ووجدناهم يكررون كلاما غثا لا يسمن ولا يغني من جوع ، لدرجة تشعرك بأنهم يقصدون معلما أخر في كوكب أخر ..
هل يعقل ان يهان المعلم ومن الجميع وبهذه الطريقة؟ ....وهو الذى يحمل مهنة الأنبياء والرسل!!
الا يستحق هذا المعلم أن تهتم وزارته بمشاكله وارجاع هيبته وكرامته التي كانت محفوظة له في السابق؟... فلم نسمع في الماضي عن معلم يهان او حطت كرامته ، بل كنا ومازلنا نكن للمعلم كل تقدير واحترام ، وكنا نعتبره كالأب والأخ والقدوة الحسنة .
لماذا يهان المعلم ؟ ..... على الرغم من انه صانع الرجال !!
لماذا؟! وعلى يديه قد صار الطبيب طبيبا ، وبيده صارت يد المهندس تلف بالحرير !فيبدع ويخرج لنا فن العمارة والزخرفة والكثير الكثير ، وهذا محامي تخرج على يديه واصبح يخطب بلسان طليق ولغة عربية واسلوب مقنع الم يتعلم من المعلم الاقناع والامتاع ؟ الم يكن له قدوة يقتاد بها الى ان وصل لهذا ؟ ، وذاك قاض وصل لأعلى المناصب فاصبح يحكم بالعدل بين الناس انسي هذا القاضي يوم كان طالباااا وحصلت بينه وبين زميله مشكلة في ساحة المدرسة فذهب للمعلم ليقضي بينهما ؟؟انسي هذا القاضي يوم انصفه المعلم وحكم لصالحه بعد ما ثبتت براءته ؟
وبعده ضابط برتبة عسكرية ما حصل عليه ، الا بالعلامات التي كان يكسب فيها رضى المعلم ليجمعها ، وغيره وغيره وغيره وقس على ذلك جنس حواء .
وجولة في البلاد الأولى في التعليم مثل فنلندا وسنغافورة وكوريا واليابان تعطيك إجابة على معنى المعلم الحقيقي الذي يفخر بمجتمعه ويفتخر مجتمعه به ؛ فطريقة اختيار المعلم وتأهيله وإعطاءه حقه المادي والمعنوي والإجتماعي ، وتحفيزه والثقة المتبادلة بينه وبين المجتمع كله ، تجعل عملية التربية والتعليم تسير إلى الأمام ولا مجال فيها للرجوع إلى الوراء.ولم يأت هذا بين يوم وليلة بل استغرق عقودا من البناء والتقويم والثقافة والوعي .
تساؤلات أخرى عديدة يطرحها واقع حياة المعلم ، ولعلها تجد من يجيب عنها !!!
-- لماذا تنحدر نظرة المجتمع بمؤسساته للمعلم ؟ ...لدرجة جعلت مستواه ينحدر، وأقصد هنا الإنحدار المادي والمعنوي والإجتماعي، ومحاولة إلغاء دوره كمرب وموجه ومعلم ، ويتعامل معه الجميع ككائن بلا إرادة، يشبه الببغاء التي تردد ما تعرفه ثم تصمت .
-- من السبب في إهدار حق المعلم والحد من صلاحياته داخل الصفوف ؟ .... إلى درجة جعلت الطلاب يزدادون شراسة ووقاحة تجاه معلمهم .
- ماذا فعل المعلم حتى يصبح متهما؟.... إما بعدم السيطرة على التلاميذ داخل المدرسة ، وإما بالتجاوز ومخالفة القوانين والضوابط التعليمية ؟
-- ما المطلوب من المعلم؟
-- لماذا تبقى صورة المعلم مشوشة في أذهان المسؤولين وأولياء الأمور والطلاب ؟ ... وكأنه المذنب والمخطأ دائما ، ما يصب في مصلحة الطالب المشاغب والكسول الذي يجد منفذاً يمارس من خلاله سيطرته ويتحدى به معلّمه دون ردع ولا عقاب .
-- لماذا لم يتم زيادة راتب_المعلم منذ سنوات عديدة أسوة بكثير من موظفى الوزارات الأخري ؟ ... وذلك لرفع المستوي المعيشي للمعلم ، والذى عانى كثيرا من تردى راتبه ، وصعوبة المعيشه ، مما جعله يلهث وراء الحصول على الأموال ، وأصبح يعمل فترة مسائية في المقاهي والمطاعم وبيع الخضار، ناهيك عن ظاهرة الدروس الخصوصية والتى تفشت بالمجتمع ، وأدت الى إنهيار المؤسسة التعليمية .
-- هل يجهل المسئولون عن التعليم بأن رفع مستوى المعلم المعيشي وزيادة راتبه حلا لا بديل عنه ؟ ... حتي يعطي ولا يبخل بشيء علي طلابه، لأن رفع مرتب المعلم هي السمة الأساسية للنهوض بالعملية التعليمية، حتي يواجه المعلم ظاهرة ارتفاع الأسعار الحالية والتي اجتاحت السوق المصري بأكمله .
صرخة المعلم ومطالبته بزيادة راتبه في محلها، ونرجو أن تأخذ مداها لتصل إلى من بيده قرار إنقاذ المعلم من الهلاك ..
0 comments:
إرسال تعليق