نادت العجوز بصوت مرتعب يشوبه الخوف حد الموت :
- من هناك؟
- .........!
لحقت به مجموعة كلاب تتبع رائحته النتنة تعطرت بماء آسن
شرب منه حتى التخمة وصار دليل شقائه، لم تلمحه، فهي تقتفي اثره في حين تعج السماء
بأتربة اصطبغت بلون الخريف، اعمى بصرها.
ركض وهو يسابق الريح بين ازقة هرمه يشم رائحه تاريخها
المصبوغ بالألم ويتذكر مشاكساته حين كان يصارع اعتى الاشقياء.
ارتقى حائطا لامرأة عجوز تسكن دار عتيق ليسقط على شجرة
أحدثت خدوشا في جسده سالت منها دماء حارة تماهت مع سخونة الموقف، لتمتزج مع رائحته
التي لم تخف حدتها حتى اصبحت ملاصقة لرائحته التي ولد بها.
سمعت العجوز صوتا عظيما كأن نيزكا سقط في باحة منزلها
وسمعت نباح كلاب مسعورة خارجا، _____ القابع في اخر الحي الموغل في قدمه، اذ توالت
احداث كبيرة عليه وما زالت اساساته راسخته تضرب في ارض تعرضت للكثير من شقاء دنيا
لم يخترها سكان المنزل الا بعض شقوق في جدرانه زينته كأنها لوحة كلاسيكية.
لم يستطع الرد كأن بلعومه ابتلع لسانه وعقد عليه.. وهو
يلملم جسده الساقط على ارضية صلبته مار بشجرة عنيدة افقدته توازنه ونالت منه
الكدمات.
سبقته رائحته الى عبور الجدار، والعجوز وهي تسكن البيت
بمفردها بعد ان هجره سكانه تاركيها تقترب من العقد الثامن من عمرها تواجه بمفردها
ما تبقى من ايامها.. أخذت تلوح بالهواء يمينا ويسارا بعصاها التي اصبحت يدا ثالثة
تتعكز عليها كلما ارادت المضي بين حجرات الدار بعد ان انهالت عليها امراض الكبر
تباعا وافقدها بصرها.
مر من امامها لم تستطع ان تفرزه عن سائر الكائنات،
فرائحته العفنة جعلتها تجفل من مكانها. الا ان دوي الصوت في المكان جعلتها تخمن.. من
؟ .. حازم.. سالم.. سهام.. عبد لله؟
لم يصدر صوتا وهو يرتعد خوفا حد الموت اثر مطاردة افقدته
صوابه حيث وجد نفسه يجتاز حارات عديدة وحرارة الأرض تنهش قدميه مجتازا بركة بعد
أخرى من مياه آسنة.. ليجد نفسه بين احضان عجوز افقدها عوامل الزمن بصرها لكن لم
تفقدها بصيرتها.
زحف على الأرض وجسده ملتصقا بها وسخونة المطاردة ما زالت
لم تبرد بعد، وعندما وصل الى حافة ثوبها اخذ يشم قدميها وذيله يتراقص في السماء
معلنا النصر على ملاحقيه .. وفي صوته غنج واضح اخذ يتودد به اليها. ويلعق يديها
ووجها، وفي عينيه توسلا ان تبقيه ببجوارها.
ضحكت العجوز وذهبت وهي تعجل خطاها الى داخل البيت متعكزة
على عصاها منذ ان قررت رميه خارج المنزل عندما غافلها يوما ونهش ساقها محدثا جراحا
بليغة، وندمت على فعلتها لاحقاً، رجعت وبين يديها وعاء يفيض ببقايا غذائها الذي لم
تكمله وهي تستذكر أيام من الود عاشاها معاً.
وهي تسترجع ما فات حين سمعت نباح كلاب مسعورة خارجا
والسقوط المدوي في باحة البيت الذي اعاد اليها ذكريات جرحها النازف.
* التي اصبحت نديمها
0 comments:
إرسال تعليق