ليست مسؤولة أن خلقها الله جميلة جذّابة جداً ، بنقاء روحها وطيبتها وثقتها بالآخرين ؛ تبدو أنصع حسناً وبهاءً ، وكلما كبرت يوماً ازدانت بالبهجة كورد يبلله الندى ، فيزيده رونقاً ، ويفوح شذاً..
من أول يوم وقعت عينا ذئب كاسر ماكر عليها ؛ خطط لافتراس فراشة لا تقوى إلاّ على التحليق فوق الزهور اليـــانعة ؛ جمع شباك حباله كعنكبوت يتخاتل بين زوايا غرفة جوفــاء أعْتمَ أنوارَ هواجسها بدهاء عجيب ..
راود الذئب فريسـته بمكر الثعالب حين طلب منها أن تســاعده على حمل حقيبة أوراقه وما حَوَت من شهادات الخديعة الضّالـة بـاسم العلم والمـعرفة ؛ خرج من قاعة الدرس ؛ كلمها برقة وهي تجرجر حقيبته الكالحة مثل روحه المظلمة :
أنتِ فتاة طيبة ؛ سأكـون لـك الأستـاذ والأب والصديـق ؛ فهنــا وحوش كاسـرة حاذريها ، وانا لكِ نعمَ المعين .. انجرّت لدهائه يوماً بعد آخر ؛ الى أن أوصلها لبيته!
ظنّت أن نور العلم هناك أنصع ؛ بعد أن أغراها بسيول من العواطف كأب حنون برائحة أمٍ رؤوم ؛ تعلقت به أشدّ ما يتعلق طفلٌ بمحالب أمّه، فتح أول فوهة بركانٍ من فجور روحه :
لقد أحببتك ، وأنتِ هي من كنت أحـلم بها زوجة ورفيقة درب طويـل ؛ سـأترك كلَّ شيء من أجلك ..
لم تقوَ قطرة الندى تلك على ثقلِ كلامٍ معسول ؛ فهوت مع ثاني بوابةٍ فُتحت من نار تتأجج!
تكسّرت كل أجنحتها بلمحة خاطفة .. لم تشرق شمسها بعد اليوم إلاّ خاوية من الكذب الجميل ، والأمــل المرتقب ..
حاولـــتْ أن تعيـدَ هيبة عشقها الواهي لرجل قارب عمرُه عمرَ أبيها ؛ لكـن الذئب لم يرحم يوماً فريسةً كي تُرحم هذه الغارقة في هذيان الوهم!
لقد صدق وعده ، وترك كل شيء من أجل الهرب منها بعيداً الى مهجره المجهول ، وتركها كغيرها ينتظرن طلوع الفجر؛ لكنه جاء فجراً معتماً!
0 comments:
إرسال تعليق