ما هو مسرح الطفل؟ ولماذا نهتم به؟..بقلم : حيدر كاطع المرشدي

 

 

 

الطفولة ليست مجرد مرحلة عابرة من عمر الإنسان بل هي الأساس الذي تُبنى عليه الشخصية وتُغرس فيه القيم وتُشكل فيه المخيلة ومن هنا يُصبح مسرح الطفل أداة ثقافية وتربوية لا يمكن الاستهانة بها إنه ليس رفاهية ولا نشاطًا جانبيًا بل هو ركيزة أساسية في تنمية الطفل وتوجيهه والسؤال المركزي

 ما هو مسرح الطفل؟ ولماذا يجب أن نهتم به ونؤسس له بوعي ومسؤولية؟

أولًا: تعريف مسرح الطفل

مسرح الطفل هو شكل من أشكال التعبير الفني يُقدَّم للأطفال ويكون موجهًا إليهم خصيصًا من حيث اللغة والموضوعات والرموز والأداء لا يعني ذلك تبسيط المحتوى فحسب بل تقديمه بما يتناسب مع مستوياتهم الذهنية والعاطفية والخيالية دون أن يفقد العمق أو المعنى

إنه المسرح الذي يرى الطفل لا ككائن صغير بل ككائن كامل له حق في التلقي الجمالي والمشاركة الإبداعية والاندماج في تجربة حية تفتح له أبواب الخيال والمعرفة

ومسرح الطفل الحقيقي لا يكتفي بالتسلية بل يتجاوزها إلى التحفيز الذهني والوعي الاجتماعي والتربية الجمالية

 

ثانيًا: لماذا نحتاج إلى مسرح طفل؟

 

الاهتمام بمسرح الطفل ليس ترفًا ثقافيًا بل هو ضرورة وجودية في عصر تتصارع فيه الوسائط الرقمية وتتراجع فيه العلاقات الإنسانية المباشرة وهنا تبرز أهمية المسرح بوصفه فنًا حيًا يُخاطب الطفل مباشرةً ويمنحه فرصة التفاعل والتفكير والتخيل والدهشة

 

الطفل الذي يشاهد مسرحًا جيدًا يُصبح أكثر قدرة على التعبير وعلى فهم العالم واكتشاف نفسه  بل إن كثيرًا من علماء النفس والتربية يرون في المسرح أداة علاجية وتربوية تساعد على معالجة الانطواء أو العدوانية أو ضعف التركيز

ثالثًا: الفرق بين مسرح الطفل ومسرح الكبار

 

من الأخطاء الشائعة أن يُقدَّم للطفل مسرح يشبه مسرح الكبار لكن بلغة أبسط والواقع أن مسرح الطفل له قوانينه وأدواته الخاصة التي تُراعي مستوى الإدراك واهتمامات الفئة العمرية وتوق الطفل للخيال واللعب

 

في مسرح الطفل تُصبح الرمزية البصرية لموسيقى الحركة الحوار المباشر والتكرار المحبّب كلها أدوات أساسية النص لا يعتمد فقط على الحبكة بل على التفاعل والمفاجأة والعِبرة أحيانًا من خلال الحيوانات أو الأشياء المتكلمة أو العوالم الخرافية

 

رابعًا: مسرح الطفل بوصفه فعلًا تربويًا

 

يُشكّل المسرح وسيلة مثالية لتعزيز القيم الأخلاقية والمهارات الحياتية لدى الطفل من خلاله يتعلم الطفل

قيمة التعاون

الصدق والشجاعة

احترام الآخر

التفكير النقدي

حلّ المشكلات

 

بل أكثر من ذلك يُمكن للمسرح أن يُرسّخ الهُوية الثقافية ويُعيد تقديم التراث بطريقة حيوية محبّبة للأطفال إنه تربية غير مباشرة تنفذ إلى اللاوعي وتُحدث أثرًا دائمًا

 

 

خامسًا: المسرح والخيال في عقل الطفل

 

الخيال ليس ترفًا في حياة الطفل بل هو أداته الأولى لفهم العالم والمسرح هو أحد أقوى أدوات تفعيل الخيال لأنه يُحوّل الأشياء الجامدة إلى حية ويمنح الكلمة جسدًا ويجعل من الضوء والألوان والصوت حكاية

الطفل حين يشاهد مسرحية فإنه لا يكتفي بالتلقي بل يُشارك يُتخيّل يُكمّل القصة يُسقط ذاته على الشخصيات ولهذا فإن المسرح الجيد لا يُغلق النهاية بل يتركها مفتوحة لتأويل الطفل

 

سادسًا: لماذا يهمل مسرح الطفل في العالم العربي؟

 

رغم أهمية مسرح الطفل إلا أنه غالبًا ما يُهمل في منطقتنا العربية بسبب

 

ضعف التمويل والدعم الرسمي

 

قلة الكوادر المتخصصة في هذا المجال.

 

النظرة الدونية إلى مسرح الطفل بوصفه فنًا ثانويًا

عدم وجود معاهد وأكاديميات تُعنى به بجدية

 

ولكن في المقابل هناك تجارب لافتة ظهرت في بعض البلدان العربية حاولت تأسيس حراك ثقافي حقيقي في هذا الاتجاه سنستعرضها لاحقًا في الفصول القادمة

سابعًا: الطفل كمُتلقي فاعل لا سلبي

 

أحد أخطر المفاهيم الخاطئة أن الطفل مجرد متفرج في حين أن الطفل هو أكثر المتفرجين تفاعلًا وأكثرهم صدقًا في الاستجابة فإما أن يندمج ويُشارك ويتأثر أو ينصرف عقليًا وجسديًا دون مجاملة

ولذلك فإن الكاتب والمخرج والممثل في مسرح الطفل يجب أن يُحسنوا مخاطبة الطفل كما هو لا كما نتخيله عليه أن يخاطب عقله الصغير دون أن يُصغّره ويغذّي قلبه دون أن يُدجّنه

 

إن مسرح الطفل ليس مجرد فن موجه للصغار بل هو فن كبير في قضية كبيرة تتعلق ببناء الإنسان من أولى لحظاته المعرفية والوجدانية

وإذا أردنا أن نُنشئ جيلًا أكثر وعيًا أكثر خيالًا أكثر تذوقًا للفن فإن أول ما نحتاجه هو مسرح طفل حقيقي يُكتب له بصدق ويُخرج له بجمال ويُقدّم له

يونيو 26, 2025