أن كافة المشاريع الاقتصادية التي افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في الفترة الماضية هي السبب الرئيسي وراء إشادة كافة الدول بوجود بيئة خصبة للاستثمار في مصر.
وبين أن الاستثمار يكون إما بالأمد الطويل، مثل بناء المصانع والشركات، أو عن طريق الصناديق السيادية، والتي يكون لها مردود اقتصادي سريع، وهي شراكة المستثمرين في بعض القطاعات الحكومية الحالية مثل السكك الحديدية وغيرها من كل القطاعات.
يتأثر حجم مجمل الاستثمار، في أي بلد في مدة زمنية محددة، باعتبارات واسعة ويعتمد على عوامل أكثر تعدداً من مجرد اعتماده على حافز الربحية (أو المنفعة الاجتماعية) للاستثمار على الرغم من أهميتها.
كذلك ففي المنظور الكلي يتعذر عزل عملية الاستثمار الواحدة عن توابعها وفصلها عن الحركة الاقتصادية العامة للبلد المعني سواء أكان ذلك في المدة الزمنية المحددة أم في الدورة الاقتصادية الواحدة أم على مرور الزمن.
ففي الدرجة الأولى التي هي الأهم يعتمد حجم مجمل الاستثمار على المستوى العام للدخل أو الإنتاج العام وعلى التغيرات التي تطرأ على مستوى الدخل. كذلك فثمة عوامل إضافية كثيرة لها أثرها الكبير في الاستثمار «كتوقعات المستثمر» والتطورات التقنية، ودرجة تطور الأسواق المالية والمؤسسات المصرفية،
وأخيراً، وليس آخراً، سياسات الدولة وإجراءاتها. فالإنفاق الاستثماري غالباً ما يتأثر بعوامل خاصة تنطلق من توقعات المستثمر وترقباته مع أنها قد تكون نفسية بحتة وغير قائمة على أسس موضوعية.
فالتبدل في الحالة النفسية وفي توقعات المستثمر الواحد أو مجموعة من المستثمرين، حتى عندما يكون ذلك قائماً على أسس خاطئة كإشاعة مثلاً، قد ينتشر ويعم السوق أحياناً ويؤثر سلباً أو إيجاباً في عملية الاستثمار برمتها وفي وضع الإنتاج العام.
ويتأثر الاستثمار أيضاً بالتطورات التقنية وبالابتكارات الجديدة إذ تؤدي غالباً إلى ووفرٍ في عناصر الإنتاج أو إلى توسيع في آفاق العمل أمام المستثمرين أو تقود إلى خلق حوافز ربح جديدة. ثم إن الاستثمار يعتمد أيضاً على مواقف الدولة وإجراءاتها سواء أكان ذلك على صعيد سياستها المالية أم النقدية أم الجمركية أم الإدارية بما في ذلك درجة التسهيلات والدعم والحماية التي قد توفرها الدولة أو قد تحجبها.
وأخيراً، يتأثر الاستثمار بنشاطات مؤسسات التمويل وبفعالية الأقنية التي تنتقل من خلالها الادخارات لتمويل الاستثمار. أن الموجة التالية من الإصلاحات الاقتصادية ستكون ركائزها استقرار الاقتصاد الكلى، وإتاحة المزيد من الفرص لمشاركة أوسع للقطاع الخاص في الاقتصاد، وتزويد القوى العاملة بالمهارات اللازمة لممارسة النشاط الاقتصادي بشكل أفضل، ما سينعكس بالإيجاب على القدرة التنافسية للبلاد والأهم منذ لك: خلق المزيد من فرص العمل، وتحسين ظروف معيشة السكان.
بيد أن أهم العوامل المؤثرة في حجم الاستثمار هو مستوى الدخل العام. إذ هناك علاقة ارتباط مباشرة وراسخة بين الدخل والاستثمار ينتج عنها أنه إذا حصلت أي زيادة في الاستثمار من أجل توسيع الطاقة الإنتاجية القائمة يكون ذلك نتيجة لتغير في معدل الإنتاج وبصورة مستقلة عن المستوى المطلق للإنتاج العام، وبغض النظر عن كون هذا المستوى القائم كبيراً أو محدوداً، وعليه فإن عملية الانتقال من مستوى إنتاج عام إلى مستوى آخر أعلى منه يتطلب زيادة في الإنفاق الاستثماري الهادف إلى توسيع الطاقة الإنتاجية القائمة.
ذلك كله لأن حجم الاستثمار متعلق بمستوى الدخل عن طريق الفائض الإنتاجي المتاح للاستثمار، فالزيادة في الدخل تعني زيادة في هذا الفائض، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة في الاستثمار، ولأن الزيادة التي تحصل في الفائض (أو الربح) تدفع الجهة المستثمرة لأن تتوقع مزيداً واستمراراً في تدفق هذا الفائض، كما أن الزيادة في الفائض تعطي المستثمر قدرة أكبر على التمويل الذاتي الذي يؤدي تكاثره إلى استمرار في تطوير الطاقة الإنتاجية.
وتنشأ من هذا السياق الظاهرة المعروفة في الاستثمار «بمبدأ المسرّع أو المعجل» acceleration principle الذي تتحدد بموجبه العلاقة بين نسبة التغير في مستوى الدخل أو الإنتاج العام ومعدل الإنفاق الاستثماري، إذ إن التغير (زيادة كان أو نقصاناً) في مستوى الدخل أو الإنتاج العام يؤدي إلى تغير موازٍ في معدل الإنفاق الاستثماري.
ولما كان إنفاق الدخل يتم إما على الاستهلاك وإما على الادخار (الذي يفترض أن يتحول مباشرة إلى استثمار) فإن ما لا يتم استهلاكه من الدخل في مدة زمنية معينة يكون مهيأ للاستثمار. فإذا ما جرى إنفاقه على بناء مصنع جديد مثلاً، فإن هذا الإنفاق الأولي يطلق سلسلة إنفاقات لاحقة متداخلة.
فهو يزيد أولاً دخل عمال البناء الذين يزيدون إنفاقهم على المشتريات من تجار المفرق، وهؤلاء يقومون بزيادة إنفاقهم على المشتريات من تجار الجملة الذين يبادرون إلى زيادة حجم طلباتهم من المصانع التي تتفاعل وتزيد إنتاجها لتلبية طلباتهم فتتوسع وتزيد عدد عمالها وغير ذلك، وهذا ما يرفع حجم كتلة الأجور ويولد مزيداً من الطلب الاستهلاكي ومن الإنفاق الاستثماري المقابل فيستمر الدخل العام بالتزايد.
وإن هذه الصورة هي بمثابة تشبيه للحركة المتتابعة التي تتولد عن الإنفاق الاستثماري الأصلي والتي تؤلف ظاهرة أخرى من ظواهر الاستثمار معروفة «بمضاعف الاستثمار» investment multiplier. إذ إن الزيادة في الإنفاق الاستثماري لا تزيد مجمل الدخل العام بمقدار يساوي حجمها فقط، بل عدة أضعاف ذلك. ومع أن القوى الناتجة عن «المسرع» و«المضاعف» تنطلق من اتجاهين مختلفين فإنها تتفاعل وتصب في ملتقى واحد، فتولد حركة متعاظمة تؤدي إلى تسارع في نمو الدخل القومي.
فزيادة الإنفاق الاستثماري تزيد الدخل القومي بوجه مضاعف كما أن زيادة الدخل القومي تقود إلى الزيادة في الاستثمارات (إذا تلاءمت المعطيات والمتغيرات الاقتصادية الأخرى) والعكس صحيح أيضاً.
إذ إن تقليص الاستثمار يؤدي إلى تباطؤ في الحركة الاقتصادية وتراجع في الدخل القومي كما أن التناقص في الدخل يقود إلى تدن في حجم الاستثمار. ولا بد من الإشارة إلى أن آثار الزيادة التي تتركها حركة الاستثمار الواحدة على الاقتصاد القومي تتلاشى مع انتهاء مدة زمنية معينة، ولاسيما إذا لم يجر في الوقت نفسه حركة إيجابية في بقية المعطيات والمتغيرات الاقتصادية المؤثرة في عناصر الإنتاج وفي الموارد والطاقات الإنتاجية بوجه عام، أي في الحالة النظرية «الساكنة».
إلا أنه في الواقع وفي المنظور الزمني الأطول أي في «الحالة الديناميكية» حيث تكون المعطيات الاقتصادية في حالة تغير مستمر يؤثر بعضها في بعض، فإنه يصبح للاستثمار حينئذ قوة متشعبة ذات حركة تصاعدية تؤدي إلى تزايد في الدخل القومي مع مرور الزمن. بيد أن هذا التزايد لا يكون بالضرورة خالياً من التقلبات.
يمتلك الاقتصاد المصري كل المقومات الاقتصادية اللازمة للانطلاق التنموي، وتبقي الإدارة الأكثر كفاءة لتلك الموارد هي المفتاح الحقيقي للنهوض الاقتصادي، فضلاً عن الإرادة السياسية. ورغم أن توافر الموارد بنوعيها المادية والبشرية يعد عاملاً مهماً في تحقيق التنمية، الا أن ادارتها تحتاج لمجموعة من المقومات الأساسية، منها توافر معلومات تفصيلية حول تلك الموارد، وأنواعها، وكمياتها،
وتكلفتها ان كانت موارد مادية، أما ان كانت بشرية فتحتاج التعرف على تخصصاتها وخبراتها ومهاراتها. كل ذلك في إطار الرؤية الاقتصادية الجامعة التي ستحكم العملية التنموية، والذي يتفرع عنها النظام والتنظيم الاقتصادي بهياكله التي ستساهم في البناء التنموي، وكذلك المذهب الاقتصادي والذي يجب أن تتكامل مكوناته مع الجانب الأيديولوجي.
**كاتب المقال
دكتور القانون العام
ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي محكم دولي معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق