ليست أحدى سيدات المجتمع المخملي ، او زوجة رئيس دولة ، او ملك ؛ لكنها حقاً ملكة مدللة تأتي متى تشاء ، وتذهب متى تشاء ، والجميع ينتظرها بفارغ الصبر ، واللهفة والاشتياق ..
معشوقة الصيف كما في الشتاء ، وفي النهار كما هو حال الليل .. يحبها الفقراء رغم تكبرها عليهم وغرورها المستبد ، وايضاً هي حبيبة الاغنياء ، وبين كل أولئك وهؤلاء فهناك من نسيها وتكبّر عليها ولم تعُد تغنيه بشيء لانه استقرَّ بمنطقة تسمى – في العراق – الخضراء وليتها لم تكن خضراء او حمراء لانها منبع الآه و (( الْوَنّة )) ..
أهل الخضراء المتحصنين هناك منذ سنين وكلَّ همهم وضع الخطط والبرامج والقوانين لإسعاد انفسهم فقط انطلاقاً من تشريع قوانين امتيازاتهم وتقاعدهم ومصفحاتهم والمنافع الاجتماعية لما بعد التقاعد وغيرها مما علمه عند الله ؛ مع كل هذا المجهود نسوا ان يضعوا حداً للسيدة (( المدلّلة )) التي لا يحلو لها العبث مع محبيها الاّ أيام المحنة والشدة كما هو الان في شهر رمضان وايام الامتحانات العصيبة التي لا تأتي الاّ مع هذا الشهر الفضيل ، وكأنَّ واضعي جدول الامتحانات ارادوا لطلابهم أسئلة عفيفة مباركة مطعمة بنكهة الشهر الفضيل لا تبتعد نتائجها اكثر من دائرة الخمسينات ، واذا تساهل الاساتذة أكثر مع خشية الله إن كانوا من الصائمين ، فالنتائج قد تكون خارقة جداً ، اقصد قضاء صيف جميل مع الدور الثاني !!
لنعُد الى صديقتنا (( المدللة )) والتي نسيت ان اعرّفها باسمها الحقيقي والذي لا يختلف اثنان على حبها .. انها الكهرباء المبجلة التي لم تُعرَف الغازها وأسرارها في العراق منذ أيام نظام صدام والى الآن حيث كان القطع المبرج ثلاث ساعات قطع بثلاثة تشغيل ، وأستمر الحال الى أن وصل خمس ساعات قطع بساعة أو ساعتين متقطعتين تشغيل ويزداد القطع أيام الحرّ والامتحانات ، ويزداد التشغيل ايام التصعيد الداخلي والتظاهرات والانتخابات بكل انواعها والوانها ..
وبذكر الانتخابات لم نعرف ما هو موضوع الكهرباء ، وما هي مشكلتها الاساسية ، هل تم تشريع قانون بهذا الصدد يقضي ببقائها هكذا ونحن لا نعلم ؟
فعلاً نحن لا نعلم .. استبدل الوزير بوزير ، والوكيل بوكيل ، والمدير بمدير ، وبقيت الكهرباء كما هي ؛ تبدَّل البرلمان بآخر لمدة اربع سنوات تلتها أربعٌ عجافٌ أخرى و أخرى وهي كما هي ، وحلّت حكومة محل اختها ، والكهرباء لم تشهد اي جديد ؛ وقبل عدة سنين كان من المؤمل – حسب قول مسؤول كبير – أن يصدِّر العراق الكهرباء للخارج ، وبدلاً عن ذلك قام باستيرادها من دول الجوار ، ولو اننا لم نعرف الى اي بلد كانت ستُصدّر ؟ ربما لجزر الواق واق ، أو الى بلاد ما وراء الظلال ، أو حافات المياه !!
مشروع يبعث على الحيرة و التحطيم النفسي والدوران في فلك لا ينتهي من العجز والهوان ، والخضوع بمذلة قابلة للقسمة على اكبر عدد صحيح أو كسري هو ( لعبة الكهرباء ) منذ عشرات السنين بعدم امكانية التغيير وحلول ممكنة .. فأحسن عقاب للشعب خالٍ من آثار الجروح والدماء هو الكهرباء ، ليس صعقاً ، إنّما قطعاً وتقطيعاً ، وبدلاً من هدية رمضانية لشعب صابر مضحي ؛ مازال نهج الانقطاعات المستمرة في زيادة واضطراد !!
بالامكان سنّ قوانين فائقة السرعة اذا كانت تخدم سكنة العالم الأخضر ، وبالامكان ايضاً صنع المستحيل اذا احتاجوا ان لا يتبدل ذلك اللون بالاصفر ، وربما بالامكان مرة اخرى الحفاظ على دلال ( المبجلة الكهرباء ) وتهيئة مستلزمات بقائها حية تتنفس الى يوم يبعثون ، فليست هي معضلة مستحيلة طالما هناك دول تحتفل يومياً بمناسبة عدم انقطاع كهربائها منذ عشرات السنين - اكثر من ثلاثين سنة مثلا في المانيا مؤخراً وهي بلد تعرّض لدمار شامل في حرب كونية مدمرة .
التساؤلات كثيرة ومملة ومزعجة ، وإجاباتها لا ندري من أين ستاتي ، وقد تتأخر ، لكن النقلة الاخيرة بما أفرزته الانتخابات البرلمانية واختيار شخصيات قد تكون فاعلة ومؤثرة لاحقاً في ظل حكومة وطنية شاملة - رغم ان البعض من الان اتهمها بانها حكومة محاصصة طائفية ، ولا نعرف معاييرهم بذلك - تترك القديم وراءها وتكون من أول أولوياتها تحسين الخدمات ، وايضاً من أول أوليات نوابها تقليص او الغاء مخصصاتهم ومنافعهم – مع فارق المنصب طبعاً وطبيعة العمل - والتساوي مع ابناء الشعب الذي استطاع توجيه عقوبته الخاصة في صناديق الاقتراع لكل مفسد ومحتال ، والذي انطلق بتظاهرات جديدة قبل يومين مطالباً بالماء قبل الكهرباء ويطالب ايضاً بإلغاء دلال المدللات واولها الكهرباء واعادتها لسابق تواضعها ورقتها مع حفظ قوتها القاتلة وهيبتها الخطرة بـ ٢٢٠ فولت ، لا أكثر ولا أقل ، فهي فعلاً حياة جميلة تَصْنع مع كل منغصات الحياة سعادة ، وإن كانت غير مكتملة
0 comments:
إرسال تعليق