تحقيق أعده للنشر : حافظ الشاعر
وإذا كنت تعتقد أنك قرأت هذه العبارة من قبل، فربما تكون قد قرأتها بالفعل،
فقد وردت في افتتاحية تقرير للبنك الدولي لعام 2013 عن الوظائف في منطقة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا. ومنذ ذلك الحين، حدث الكثير في المنطقة والعالم، ففي أعقاب ثورات الربيع
العربي، اجتاحت الصراعات بلداناً مثل العراق وليبيا وسوريا واليمن، وتفشت فيها أوضاع
الهشاشة. وازدهر لبنان في بادئ الأمر ثم عانى أشد المعاناة من أشد حالات الركود في
التاريخ الحديث، لكن على الرغم من اختلالات المالية العامة وميزان المعاملات الجارية،
فإن بلداناً مثل الأردن ومصر، حققت نمواً بمعدلات مستقرة ومطردة، وقاد المغرب مسيرة
الاندماج مع سلاسل القيمة العالمية. أما دول مجلس التعاون الخليجي فقد بدأت مسيرة التنوع
الاقتصادي، لكن في سياق ذلك اندلع صراع مدمر جديد في عام 2023 أعاد تشكيل التوازن الجيوسياسي
في منطقة بلاد الشام وما حولها. وعلى الصعيد العالمي، شهدت أسعار النفط انخفاضات كبيرة
(2015) ثم ارتفعت إلى مستويات غير متوقعة (2022)؛ وتطورت الأتمتة كثيراً وأعادت تشكيل
الوظائف، ومسؤوليات من يقوم بها، ناهيك عن إعادة تشكيل القطاع الخاص. واجتاحت كورونا
(كوفيد 19) العالم، وأصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي قادر الآن على اكتشاف جزيئات جديدة.
ومع ذلك، فإن هذه الدراسات التشخيصية الموجزة لعام 2013 عن منطقة الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا لا تزال صالحة حتى الآن، فمعدلات البطالة بين الشباب تبلغ 25%، ولا تزال الأعلى
في العالم، كما تظل مشاركة المرأة في القوى العاملة التي تبلغ 16% هي الأدنى على مستوى
العالم.
وكما أوضح رئيس مجموعة البنك
الدولي أجاي بانغا، فإن الطريقة الأكثر فاعلية للتغلب على الفقر هي خلق فرص العمل،
والعمل هو المفتاح لإطلاق الإمكانات والطاقات الكامنة، فهو يُمكن المرأة ويُعطي الأمل
للأجيال الشابة. وينطبق ذلك بوجه خاص على المنطقة، فنظرا لأن 54% من سكانها تقل أعمارهم
عن 30 عاما، يمكنها أن تحقق مزايا ديموغرافية إذا حققت السلام والإصلاحات الهيكلية
المهمة على الفور.
والمخاطر كبيرة، لكن الفرص كبيرة أيضاً. وللوقوف على حقيقة الوضع، فبعد
نحو 25 عاماً من اليوم أي في عام 2050، سيبحث نحو 300 مليون شاب في المنطقة عن فرصة
عمل. فمن أين تأتي هذه الفرص للعمل؟ على الصعيد العالمي، يُعد القطاع الخاص المحرك
الرئيسي لخلق فرص العمل. ولكن ما المطلوب لكي ينمو القطاع الخاص ويخلق وظائف عالية
الإنتاجية في المنطقة؟
لننظر إلى التعليم والمشاركة في القوى العاملة، فنحو 60% من السكان يحملون
الآن شهادة التعليم الإعدادي على الأقل، وقد شهدت المنطقة زيادة قدرها 40% في متوسط
سنوات الدراسة في السنوات العشرين الماضية، وهو أسرع تحسن على مستوى العالم. لكن السؤال
هو: كيف يجب أن تتطور المناهج لتمكين الشباب من اكتساب المهارات المناسبة للحفاظ على
قطاع خاص ديناميكي وتشجيع الابتكار؟
على الرغم من تحسن مستوى التعليم، ظلت معدلات التوظيف راكدة، ويرجع ذلك
أساسا إلى تدني مشاركة الإناث في القوى العاملة. ففي بلد مثل مصر، يمكن أن يؤدي تحقيق
المساواة في معدل التشغيل بين الذكور والإناث، على المدى الطويل، إلى زيادة نصيب الفرد
من إجمالي الناتج المحلي بنسبة 50%. وبالتالي ما التغييرات، بما في ذلك في مجال توفير
خدمات الرعاية للأطفال والمسنين بتكلفة ميسورة، وحماية الحقوق، والتغلب على الحواجز
التنظيمية، التي يمكن أن تحقق تلك المكاسب؟
ثمة تحد آخر يتمثل في انتشار الاقتصاد غير الرسمي (الموازي). ففي مصر،
على سبيل المثال، شكل العاملون في القطاع غير الرسمي 69% من إجمالي العمالة في عام
2018. وفي بلدان مثل المغرب والأردن، تبلغ هذه النسبة نحو 59% و77% على التوالي. بل
إن الصورة تصبح أكثر قتامة عند قياسها على التوظيف في القطاع الخاص. فنحو 86% من جميع
الوظائف في القطاع الخاص هي عمالة غير رسمية في مصر، وتقترب النسبة في المغرب والأردن
حيث تبلغ 84% و75% على التوالي. وفي مثل هذه الظروف، ما الضوابط وأطر التعليم المستمر
وبرامج المعاشات التقاعدية القادرة على دعم أسواق العمل الديناميكية مع حماية العمالة
في الوقت نفسه من المخاطر؟
جدير بالإشارة أن هناك تحديات ومخاطر أخرى آخذة في الظهور، فمع تزايد
أزمة تغير المناخ، واتجاه أسعار النفط نحو الانخفاض، ما السياسات التي ستدعم على نحو
فعال تنويع الاقتصاد بعيداً عن قطاع الهيدروكربونات وتحقيق النمو في إطار القدر الوفير
من فرص العمل في البلدان الغنية بالنفط؟
في ظل التفاوتات المكانية الكبيرة ومحدودية التنقل الداخلي، كيف يمكن
للمدن أن توفر المنظومة اللازمة للحفاظ على النمو القوي في قطاعي الصناعات التحويلية
والخدمات، وهما القطاعان اللذان تتوفر فيهما فرص العمل العديدة؟
وبوجه عام، تتسم المنطقة بدرجة استثنائية من التنوع في ظل وجود بلدان
غنية بالموارد وبلدان فقيرة في الموارد، وبلدان تشكل مصادر صافية للهجرة، وبلدان تعداد
سكانها الأصليين قليل وتحتاج إلى العمالة المهاجرة والوافدة، فضلا عن تزايد أوضاع الهشاشة،
والأزمات الإنسانية المدمرة الآخذة في الظهور في أغنى المجتمعات في العالم. ومن الواضح
أنه لا يوجد حل واحد مناسب للجميع يخلق بطريقة سحرية فرص العمل المطلوبة وتحقيق النمو
المستدام والشامل للجميع.
لكن الأسباب ذاتها التي تجعل من الصعب إيجاد الحل السحري لأجندة خلق الوظائف
في المنطقة، هي الأسباب التي تجعل هذه المنطقة مختبرا فريدا للأفكار الجديدة. وبهذا
التعليق، نعتزم فتح منبر للنقاش لجمع الحلول من مختلف القطاعات ووجهات النظر بشأن ما
يلزم لخلق فرص العمل في المنطقة.
المصدر: نشرة البنك الدولى
0 comments:
إرسال تعليق