ترددت كثيرا قبل كتابتى لهذه السطور ، لأن البعض قد يلقون مضمون رسالتى بنوع من الإزدراء وشيء من الاستخفاف ، أو السخرية والاستهزاء، وربما يتم اتهامى باتهامات أخرى .
لكننى -أبرأ إلى الله – تعالى – من كل غرض دنىء
لقد استوقفنى حزن بعض المعلمين الذين تم إنهاء خدماتهم ،وهو ما يسمى بين العاملين في دول الخليج " بالتفنيش " بمعنى انهاء عقد العمل وعدم تجديده وعودة العامل الى بلاده ..
سأتناول هذا الموضوع في ثلاث أمور فقط ..
الأمر الأول : ما من أمر من الأمور في هذا الكون إلا بقدرة وحكمة وتقدير بليغ من علام الغيوب، فإذا كان فوات المطلوب فلا تأس ولا تحزن ولا تسخط، وإذا كان تحقيق المراد وانفتاح الدنيا وإغداق النعم ، فلا تفرح الفرح المؤدي إلى نسيان الله والبطر والغرور.
فالله يكتب الخير للإنسان لكن فيما يختاره له لا فيما يختاره الانسان لنفسه فإنه -سبحانه- أعلم بما يصلح له ، فربما طلب الانسان شيئًا كان الأولى منعه عنه فيكون المنع عين العطاء. وربما منعه فأعطاه وربما أعطاه فمنعه
ولو تأمل كل إنسان -في تجاربه الخاصة- فإنه سيجد في حياته مكروهات كثيرة كان من ورائها الخير ا ولذات كثيرة كان من ورائها الشر ، وكم من مطلوب كاد الإنسان يذهب نفسه حسرات على فواته ؛ ليتبين له بعد فترة أنه كان إنقاذًا من الله أن فوت عليه هذا المطلوب في وقته، وكم من محنة تجرعها الإنسان تكاد تتقطع أنفاسه لفظاعتها وشدتها ، ثم ينظر بعد فترة فإذا هي تنشئ له في حياته من الخير ما لم ينشئه الرخاء الطويل، لأن الإنسان لا يعلم. والله وحده يعلم فماذا على الإنسان لو يستسلم؟.فعسى أن يكون الخير كامنًا في الشر: {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}
ويتجسد هذا المعنى بصورة واضحة وظاهرة في قصة موسى والعبد الصالح عليهما السلام، لنرى الحكمة الإلهية العليا، التي لا ترتب النتائج القريبة على المقدمات المنظورة، بل تهدف إلى أغراض بعيدة لا تراها العين المحدودة.فقد خرق فيه البركة والنجاة من الغصب {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} ، فبهذا العيب نجت السفينة من أن يأخذها ذلك الملك الظالم غصبًا؛ وكان الخرق الصغير الذي أصابها اتقاء لضرر كبير كان ينتظرها لو بقيت على سلامتها
الأمر الثاني : لابد أن يعلم الجميع بأن للغربة نهاية ، فقد يعيش الانسان لفترة ما في وطن غير وطنه ، وأرض غير أرضه ويدخلها في بداية الأمر غير محبا لها أو مكرها عليها لظروف قاسية أجبرته علي الرحيل.
لكن ربما يحب ذاك الوطن ويحب أهله لأنهم طيبون ويستحقون المحبة ، فالمحبة والطيبة لا يعرفان وطنا ولا أرضا ، لكن مهما عاش بينهم فلابد أن يفارقهم ليعود الي وطنه.
"دخلنا كارهين لها فلما .. ألفناها سنخرج مكرهينا "
فكم من مغترب قضى نحبه فى بلاد الغربة ،وكم منهم ظل يؤجل العودة الى بلادة حتى غزا الشيب رأسه ودون أن يستمتع بحياة الاغتراب ،وكم من أخر قاسى وعانى الأمرين ، وحرم نفسه من ملذات الحياة خارج الوطن كى يوفر الريالات والدولارات كى يتمتع بها بعد العودة الى دياره ، ثم طالت الغربة وانقضى العمر وهو مستمر فى الانتظار على أمل التمتع مستقبلا" فى ربوع الوطن ، وكم من مغترب عاد فعلا" بعد طول غياب، لكن لا لسيتمتع بما جناه من أرزاق جمعها من بلاد الغربة، بل لينتقل الى رحمة ربه بعد عودته الى بلاده بقليل .
الغربة كالبحر ، رائع فى مظهره ،وغامض فى أعماقه، وعندما تبدأ بالسباحة فيه تغوص وتتعمق فيه وتنسى نفسك وتنسى السبب الذى جعلك ترغب فى أن تبتعد عن شط الأمان ، وقد كنت تظن أنك ستعود محملا باللؤلؤ والمرجان .
لا تشغل البال بماضى الزمان . ولا بأتي العيش قبل الأوان . واغنم من الحاضر لذاته . فليس فى طبع الليالي الأمان .
الأمر الثالث : تعالوا معى نحسبها بالعقل وبالواقع ، عدد العاملين بوزارة التربية والتعليم بمصرنا الحبيبة مليون و250 ألف موظف تقريبا ، منهم مليون و50 ألف معلم ومعلمة ، و200 ألف هو عدد الإداريين والإداريات والوظائف الأخري التى تخدم العملية التعليمية ، منهم 120 ألف معلم يعملون بالخارج ، يعمل حوالى 112ألف بالمدارس الخاصة والأهلية، و8 ألاف يعملون بالقطاعات الحكومية ، لو نظرنا الى ال 120 ألف وهو عدد المعلمين والمعلمات العاملين بالخارج لوجدنا معيشتهم قد تحسنت بعض الشىء ، لكنهم لم يصبحوا سادة قوم ، ولم تندرج أسماؤهم ضمن الأغنياء ولا الأثرياء ولا رجال الأعمال رغم قضاءهم عشرات السنين في بلاد الغربة ، ومنهم من أفنى عمره مغتربا فقد دخلها شابا ، وخرج منها وهو في سن المعاش ، وعلى النقيض فلم نجد المليون و150 ألف والذين لم يخالفهم الحظ في الحصول على فرصة عمل بالخارج أصبحوا أذلاء ولا فقراء ولا جوعى ولا صعاليك ، بل أنهم يمارسون حياتهم المعيشية الطبيعية ، فهم يأكلون كما يأكل المغتربون ، ويشربون كما يشرب المغتربون .
وأختم برسالة الى من تم إنهاء خدماته ، لا تحزن على أمر قدره الله لك ، واحمد الله على أنك ستغادر الى وطنك وأهلك وأنت سليم معافى ، ولا تنسى قول الله تعالى ": (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ )
ولا تنسى سنة حبيبك ونبيك صلى الله عليه وسلم ، وما فيها من أحداث ما نحن بصدده ، وسأذكر موقف أم سلمة ، لما مات زوجها: أبو سلمة رضي الله عنهم جميعاً، تقول أم سلمة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها. إلا أخلف الله له خيرا منها».
قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبى سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه؟ ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه
0 comments:
إرسال تعليق